الهمزة: صوت حنجري، شديد، وصفه سيبويه بالجهر، وتابعه في ذلك علماء العربية والتجويد، واختلف المحدثون في وصفه، ليس لاضطراب منهجهم، ولكن لأن طبيعة إنتاج الهمزة حملتهم على ذلك الاختلاف، فمخرج الهمزة من بين الوترين الصوتيين بانطباقهما، وحصر النفس ثم إطلاقه بالمباعدة بين الوترين، وأنت ترى أنه لم يحدث اهتزاز للوترين في عملية إنتاج صوت الهمزة، فلم يتأت وصف الهمزة بالجهر، لكن من الدارسين للأصوات من وصف الهمزة بالهمس لعدم ذبذبة الوترين، ونفى بعضهم كلا الصفتين عنها، لأن الهمس ينتج من مرور النفس من خلال الوترين وهما متباعدان، ولا يحدث ذلك عند نطق الهمزة، ولا ينم ذلك عن اضطراب، وليس فيه تخطئة للقراء، فهذه الهمزة التي ينطقها القراء اليوم هي التي وصفها سيبويه بالجهر، ولهذا الوصف تعليلات لا أجد ضرورة لذكرها هنا، وهي الهمزة التي وصفها بعض المحدثين بالهمس، ووصفها آخرون بأنها لا مجهورة ولا مهموسة.
الضاد: صوت حافِيٌّ، رخو، مجهور، مطبق، مستطيل، عند سيبويه، واشتهر بصعوبة نطقه، وكان قد تغير على ألسنة الناطقين بالعربية منذ وقت مبكر، وحَذَّرَ علماء القراءة من الإخلال بنطقه، وقد أُلِّفَتْ رسائل حول الضاد، بعضها معجمات تجمع الألفاظ الظائية والضادية، وبعضها مباحث عن الصورة المثلى لنطقه، وورث المحدثون من أهل الأداء وأهل الأصوات ذلك التاريخ لصوت الضاد، وانتصر فريق لهذا النطق وفريق لذاك، ولا يتسع المقام للخوض في تفصيلات هذا الموضوع، ولعل أهل الأصوات بُرَآءُ من اختلاق مشكلة الضاد، فهي قديمة يتداولها أهل القراءة وأهل العربية.
وإذا كانت لي من كلمة أقولها في هذا المجال فهي أن على أهل الأداء التمسك بما تلقوه عن شيوخهم في نطق الضاد، ولا بأس من النقاش بعد ذلك في الجوانب التاريخية للمشكلة. وأود الإشارة إلى أن بعض المتحدثين عن الضاد يُخْطِئُ في تفسير تحديد سيبويه لمخرج الضاد في قوله: (من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس) فيحمل أول الحافة على طرف اللسان، وهو تفسير غير صحيح، فالحافة هي جانب اللسان، وأولها هو الجزء الذي يقابل الأضراس من جهة أقصى اللسان، وورد مثل ذلك التفسير للحافة في بعض مشاركات هذا الحوار، وقرأته في بعض الكتابات عن الضاد من قبل، ويؤدي ذلك إلى أحكام مخطوءة في موضوع الضاد.
آمل أني قد تمكنت من توضيح وجهة نظري في الموضوع، وهي وجهة نظر يشاركني فيها، وسبقني إليها، كثير من المشتغلين بعلم الأصوات، والاختلافات التي شرحتها حول الأصوات الأربعة تنبني على أسس موضوعية، وليست من باب تصيد الذرائع للطعن على أحد، وليس من يدعي الانتصار للقراء بأحرص من غيره على الحفاظ على القراءة سليمة من التحريف، محفوظة من تلاعب أهل الأهواء، وللقراء قدماء ومعاصرين فضلهم في حفظ نص القرآن الكريم، وحمل رسالته عبر هذه القرون، وحفاظهم على النطق العربي الفصيح بعيداً عن ظواهر اللحن والعجمة.
وأقول في ختام هذه الحلقة من تعليقي على مدارات هذا الحوار أني لا أستبعد أن ينبري أحد الإخوة بالرد على ما ورد فيها، على نحو ما حصل في الحلقة الأولى، والذي أرجوه أن يتطور مناخ الحوار إلى إطار جديد هو أن يكون من باب اختلاف وجهات النظر في فهم ومعالجة الموضوعات التي دار حولها النقاش، وليس من باب احتكار الصواب عند طرف وتخطئة الطرف الآخر، وكَيْلِ الاتهامات له، وإلى حلقة جديدة، إن شاء الله، والله الموفق للصواب.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[01 Dec 2010, 06:59 ص]ـ
السلام عليكم
شيخنا الحبيب عمار الخطيب يبدو أنكم لم تعرفوا قصدي من هذا الكلام ولعلي أبهمته لضيق الوقت.
أعتقد أنكم تعرفون مقصد أهل الأصوات في مسألة تشريح الأعضاء وما زادوه.
أما المتأخرون فقد ذكروا الوترين ...
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبا بكم.
شيخنا الكريم، نحن نتحدث عن الوصف الدقيق لجهاز النُّطْقِ وأعضائه ... ويندرج تحت هذا الوصف معرفة مكوِّنات الحنجرة ودورها في إنتاج الصَّوْتِ وتنوعه، أما مسألة تغير بعض الأصواتِ عِنْدَ الْمُحْدَثين، وذلك لأنهم أدخلوا عاملا جديدا في تصنيف الأصوات (حالة الوترين الصوتيين عند إنتاج الصوت) ... فهذا ليس محله الآن ... بارك الله فيكم.
¥