وفي ختام مشاركته لم يستبعد، من بعض المحاورين، الردّ على بعض ما جاء في مشاركته، إيمانا منه بعدم عصمته، وأنه يؤخذ من قوله ويترك إذ لم يكن صاحب القبرصل1، لكنه رجا أن يكون الحوار في إطار آخر من باب اختلاف وجهات النظر والبحث عن الحق الذي هو مسمى آخر للحكمة التي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. ونعى على احتكار الصواب وتخطئة الطرف المقابل وكيْل الاتهامات له، ولم يستبعد أن يشارك مرة أخرى.
هذه هي الخطوط العريضة لمشاركة الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد.
التعقيب:
ليس المراد بالقراء أصحابَ الاختيارات العشرة، الذين يتضمن كلامه إمكانية عصمتهم - على الأقل في جانب الرواية - ولا المؤلفين، الذين قطع بعدم عصمتهم. وإنما المراد بالقراء المقرئون وأصحاب التلاوة المسجلة أو غير المسجلة ممن تلقوا عن مشايخهم صفة القراءة مسندة إلى النبي صل1، سواء كانوا مؤلفين أم غير مؤلفين، وسواء كانوا أصحاب اختيارات أم لم يكونوا وفي أي عصر عاشوا.
ثم إن هذ الكلام بهذ الطرح يعني أنه لم يوجد تعارض بين قراءة القراء المجيدين اليوم وبين ما يرتئيه علماء الأصوات، وهو شيء يغلق الحوار بإعدام الخلاف، ويسرّح المقاتلين، لأن الإسلام لا يعرف الجيش المستديم. لكن تحضرني حكاية مناسبة لموقفي من هذا القول.
زعموا أنه عاد قطٌّ من حجّه فجمع الفئران ووعظها وحثّها على العدل وترْك الظلم، وطلب منها إعادة الثقة فيه لأنه ذهب للحج وقد تاب قبل ذهابه، فأجابته الفئران: نحن لا نشك في حجك وإنما نشك في توبتك. ثم تفرقت من حوله. ونحن بموقف الفئران في طلبه أن نتحدث، فقط، عن الجوانب التاريخية للمشكلة. هل يمكن ذلك؟ وكيف؟ وهل يمكن لعلم الأصوات، دون سائر العلوم، أن تقف على اعوجاج دون محاولة تقويمه؟ وهل يستطيع "علم الأصوات"، أن تتأبّد على التزام الحيدة بين الأجهزة والرواية؟ هل سيغلق علماء الأصوات مختبراتهم ويسلموا مفاتيحها للقراء وينصرفوا مشكورين؟
على أن تحدّي الدكتور للقائلين بجهرية الطاء لا يلزمهم، لسبب بسيط هو أنه لا يمكن نطق الطاء بدون صفة الإطباق، لأن صفات الحرف - وإن سميت صفات - ذاتيةٌ. فكما لا يمكن تجريد الرئيس السنغالي السابق عبد جوف من صفة الطول لا يمكن تجريد الطاء من صفة الإطباق، وإلا كان حرفا آخر، وهذا الحرف هو المهموس وليس الطاء.
لو كان الدكتور في صف علماء الأصوات لوجدنا في وصيته للقراء بالحفاظ على ما تلقوه عن مشايخهم ردْما للهوة الواسعة بين وجهات النظر. لكن هل يمثّل الدكتور علماء الأصوات؟ نص في إحدى مشاركاته على نفْي ذلك، لكنه على طول مشاركاته تصرفّ وِفْق ذلك.
وأود أن أنبه إلى أن المناقشة لا تكون مناقشة إلا إذا اعتبر كل طرف أن الحق، كل الحق، معه، وأن الطرف الآخر في باطل محض. وما عدا هذا فتعلُّمٌ أو استيضاح أو عبث مقيت.
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[02 Dec 2010, 06:02 ص]ـ
أخي الأستاذ الكريم أبا هشام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكَ الله خيرا على مشاركاتك النافعة، وبارك الله فيك، وفي علمك.
أخاف أنْ يَتَشَتَّتَ الحوارُ ويطول في الحديث عن بعض المسائل الفرعية ... أو مناقشة ما لم يَحِنْ وقته، ونحن نناقش الآن مسألتين عَرَّجَ عليهما الإخوة الْمُعْتَرِضون، فأرجو أنْ تكرمنا برأيك في هاتين المسألتين:
1 - ما فائدة علم الأصوات؟ وماذا يمكن أَنْ يُقَدِّمَ لِمُعَلِّمِي وَمُتَعَلِّمِي تلاوة القرآن الكريم؟
2 - دعوى تخطئة القُرَّاء.
جزاكم الله خيرا، وبارك الله فيكم.
لا بأس يا شيخ عمار، لكن
سألني الشيخ عبدالحكيم سؤالا، فلم يكن بد من الإجابة بشيء من التفصيل
وإلا قلنا، الله أعلم
أما بخصوص ما تفضلت به
فأظن أني قد بسطت رأيي فيما سبق، والآن ألخصه:
1 - علم الأصوات هو الأساس، وما علم التجويد إلا انبثاق عنه، ونسخة مطورة.
ولابد من تدريسه - وأقصد النطقي الفونولوجي فقط - لكل من أراد إتقان مخارج أصوات العربية
سواء كان: قارئا، أو مذيعا، أو منشدا، أو مطربا .. وأضيف أو حتى محاضرا أو خطيبا سياسيا.
وأما علم الأصوات الفيزيائي والسمعي وغيرهما، فليسا من علوم اللغة بسبيل
وهما إلى الطب وعلم النفس والفسيولوجي أقرب.
وفائدته تتأتى من خلال مقارنة الصواب بالخطأ، فحينئذ ينبغي دراسة الإبدال والانحراف الصوتيين
- وهما الصورة الخاطئة للنطق الصحيح - من باب
وبضدها تتميز الأشياء، ومن باب
عرفت الشر لا للشـ** ــر لكن لتوقيهِ
ومن لا يعرف الخيرَ ** من الشر يقعْ فيهِ
والخلاصة: أن علم الأصوات خير لا بد منه، وليس شرا يجب اجتنابه كما أشار د. غانم في مقال سابق
وكما هي دعوى ودعوة الشيخ عبدالحكيم كاتب هذا الموضوع.
2 - دعوى تخطئة القراء
كما أشار أستاذنا د. غانم، لا بد من تحديد المقصود
القراء القدامى، كما خطأ المازنيرح1 نافعارح1 في "معائش" فقد سبق أن المازني يقصد أن نافعا خالف اللغة المعتمدة (لغة قريش)
أما أنه خالف كلام العرب، فلا .. إلا أن هذا شيء وثبوت السند من نافع إلى رسول الله صل1 شيء آخر
وإن كان المقصود بالقراء الرواد المؤسسين (مصطفى إسماعيل - الحصري - عبدالباسط .. ) فضلا عمن دونهم
فهذا وارد؛ لأن هؤلاء تلقوا اللفظ، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه تلقى مخرج الصوت كذلك.
وتتبع التراث وكتب لحن العامة يدلنا أن نطق الأصوات تغير وتطور منذ سيبويه إلى ابن جني ومنذ مكي إلى ابن الجزري
فماذا نقول عن اليوم بعد ستة قرون أو أكثر
فهذي قدرات ومواهب ربانية (كالصوت الرخيم الحسن) وقد ذكرنا مرارا وتكرارا أن ضاد وطاء مصر مخالفة لوصف سيبويه
على حين يوافقه ضاد أبين وطاء صنعاء، وللأمانة العلمية نقول: بنسبة 80% وليس 100%
لأن وصف سيبويه دقيق مدهش، وكل من أوتي أذنا موسيقية - ولو لم يكن لغويا - يفرق تماما بين الضاد الضعيفة (عند سيبويه)
والطاء الصنعانية المجهورة القوية التي تقترب من الضاد المصرية (دال مفخمة) أقول تقترب ولا تطابق
والحمدلله
¥