وأما الوجه الثاني وهو وجه البسملة بين السورتين للأزرق كما أشار إليه ابن بري بقوله: "وورش الوجهان عنه نقلا" فقد توهم أكثر الشراح أن ابن بري أراد الوجهين أي ترك البسملة بين السورتين للأزرق والبسملة لغيره كأحمد بن صالح ـ كما قدمنا في قول ابن الطفيل العبدري ـ.
ولعلهم جميعا اتبعوا ما ذكره الشارح الأول للدرر وهو أبو عبد الله الخراز، وذلك في قوله: "واختلف عن ورش في ذلك، فروي عنه استعمالها مثل قالون، وهي رواية أبي الأزهر عبد الصمد، ونص على ذلك أبو عمرو في "المفردة" وغيرها، وروي عنه تركها، وهي رواية أبي يعقوب الأزرق"، ونص على ذلك أيضا في "إيجاز البيان" وقال: هكذا قرأت على ابن خاقان وابن غلبون وفارس بن أحمد وحكوا لي ذلك عن قراءتهم متصلا".
وقال في التلخيص: "وقد كان أبو غانم المظفر () يأخذ في مذهب أبي يعقوب بالتسمية بين كل سورتين اختيارا، حدثني بذلك فارس بن أحمد، وبه كان يأخذ محمد بن علي وعامة المصريين على ما بدأنا به يعني ترك البسملة". قال أبو عبد الله الخراز: "فهذا معنى الخلاف المذكور عن ورش في البيت، والعمل في ذلك على رواية أبي يعقوب وهو الأشهر" ().
فقول الخراز"والعمل في ذلك على رواية أبي يعقوب ـ يعني ترك البسملة ـ يفيد بظاهره أن البسملة ليست برواية عنه وإنما هي اختيار بعض الشيوخ الآخذين بطريقه كأبي غانم المذكور ومحمد بن علي الأذفوي.
والصحيح أن البسملة بين السورتين ثابتة أيضا في طريق الأزرق في رواية ابن هلال عن أبي الحسن النحاس عنه. قال الإمام برهان الدين الجعبري في الكنز: "وهو طريق ابن هلال عن الأزرق، وبه أخذ أبو غانم والأذفوي، وتركها طريق ابن سيف، وبه أخذ أبو الطيب" ويعني ابن غلبون ().
وقد أشار أبو زيد بن القاضي إلى الوهم الذي وقع للشراح في شرح قول ابن بري المذكور فقال: "كذا وقع لهم، وفيه نظر، لأن ذلك يؤدي إلى تخليط الطرق، لأن الشيخ ـ رحمه الله ـ لم بتعرض في "الدرر" إلا لرواية الأزرق فقط عن ورش، وأبي نشيط عن قالون، بل الصواب أن استعمالها وعدم استعمالها معا منقولان عن أبي يعقوب الأزرق، فتركها رواية أبي بكر عبد الله بن سيف، واستعمالها رواية أبي جعفر أحمد بن هلال الأزدي عنه، فإذا أردت حفظ هذا فزد بعد قول أبي الحسن نقلا: "فنجل سيف تركها به تلا عن يوسف، وابن هلال أعملا
وقال بعض أشياخنا:
ومن طريق ابن هلال بسملا أزرقهم ومن ريق الغير لا" ()
وبهذا يعلم أن الفصل بالبسملة بين السورتين ثابت عن ورش من طريق الأزرق أيضا ثبوت ترك الفصل، إلا أنه خلاف المشهور، وبذلك يكون الفصل له بالبسملة ـ كما أصبح العمل عليه اليوم في قراءة الحزب وغيرهما عند المغاربة ـ لا يصادم الرواية وإن كان فيه مخالفة المشهور الذي كان عليه العمل وما يزال في البوادي ومدارس القراءة. إلا أن مخالفة المشهور هنا هي عندي أفضل من الترجيع بين السكت والوصل مما يأخذ به من لا يفصلون كما سيأتي، لأنه في نظري يذهب برونق القراءة ويخل بالمعنى، بالإضافة إلى أنه من لزوم ما لا يلزم.
ولما كان المشهور والشائع في الاستعمال في رواية ورش عند المغاربة هو ترك الفصل بالبسملة بين السورتين.
فقد أخذوا في ذلك بمذهبين مذهب الفصل بينهما بسكتة يسيرة دون تنفس، ومذهب وصل آخر السورة بأول الأخرى دون فصل بسكت ولا بسملة على ما ذهب إليه عامة أهل الأداء، قال أبو عمرو في البيان:
"ولأهل الأداء في مذهب من ترك التسمية مذهبان: أحدهما أن توصل السورة بالسورة ويبين اعرابها من غير سكت بين السورتين، ليعلم الناس بانقضاء السور وابتدائهن، وهذا المذهب روي لنا عن ابن مجاهد وغيره من أهل الأداء، والمذهب الآخر أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع، ليؤذن بذلك بانقضاء السور وابتدائهن، فيكون ذلك عوضا عن الفصل بينهن، وعلى هذا المذهب أكثر شيوخنا والجلة من المتصدرين" ().
وقد ذكر أبو الحسن بن بري هذين المذهبين بما يشعر بتساويهما في القوة دون رجحان أو اختيار، وذلك في قوله في "الدرر":
واسكت يسيرا تحظ بالصواب أو صل له مبين الاعراب
¥