إلا ان أبا عبد الله الخراز استدرك عليه فقال: "ليس في قول الناظم ما يدل على ترجيح السكت، لأن قوله "تحظ بالصواب" راجع إلى الوجهين جميعا، وكأنه قال: واسكت يسيرا أوصل له أي لورش تحظ بالصواب في الوجهين، ولا يظهر فيه ترجيح السكت، نعم لو قال: تحظ بالأصوب لكان نصا في ترجيح السكت على أصل أفعل في اقتضاء التفضيل" ().
وتعقبه الشيخ أبو عبد الله بن مسلم في شرحه على الدرر فقال: "ولا شك أن ما ذكره ـ يعني الخراز ـ هو المراد، لكن تقديم الناظم له على الوصل يؤخذ منه أنه المشهور، لأن التقديم له مزية والله أعلم" ()
ولهذا الملحظ استدرك بعضهم على ابن بري هنا بما نقله المنتوري وهو قوله:
"ولكن السكت هو المختار نص عليه جلة أخيار ()
قال الشيخ أبو العلاء إدريس الودغيري: "والعمل عندنا لورش على هذين الوجهين معا بين السورتين مع تصدير السكت" ().
يريد التصدير بوجه السكت في الأخذ بطريق الجمع بين الروايات في "العشر الصغير" لأنه المختار، وإليه أشار الأوعيشي في أرجوزة "الأخذ" بقوله: "وبهما العمل والتصدير بالسكت فاحفظنه يا خبير ().
وإليه أشار ابن شعيب في "إتقان الصنعة" بقوله: "وجرى العمل عند الشيوخ بالجمع بين الوجهين مع تقديم السكت، وليس ذلك بواجب" ().
فليتدبر القارئ الكريم قوله "وليس بواجب"، ولينظر إلى ما درج عليه أهل الرواية وغيرهم إلى اليوم من الأخذ بالوجهين معا دفعة واحدة حتى في قراءة الإفراد، وقراءة الحزب الراتب، حيث يلزمون القارئ أن يرجع بين السورتين فيدخل بوجه السكت ـ وهو في الحقيقة العملية وقف ـ فيقول:ولا الضالين" "ألم"، ثم يردف عليه وجه الوصل فيقول "ولا الضالين ألم" بفتح نون "الضالين" ووصلها بما بعدها، وذلك عندهم من تمام القراءة، وقد هجر عندهم في الاستعمال الاقتصار على وجه واحد، سواء كان وجه السكت، أو وجه الوصل، وإنما المستعمل إلى اليوم وخاصة عند قراء البوادي الجمع بين السكت والوصل معا على الترتيب المألوف حتى في قراءة الحزب الراتب لا يخلون بذلك أبدا، وإذا لاحظوا أن قارئا انتقل إلى وجه البسملة نظرت إليه العيون شزرا على سبيل الإنكار.
فكيف لو قرأ بوجه السكت وحده أو الوصل وحده؟ وإنما الأمر فيه كالأمر في سائر ما في أدائه عدة أوجه أو ما فيه وجهان كبعض أحوال المد والهمز والتفخيم والترقيق، فإن الإتيان في التلاوة بسائر الوجوه لا يلزم لأنه من قبيل الخلاف الجائز لا من قبيل الخلاف الواجب الذي لا تصح الرواية إلا بالإتيان به، وإنما القارئ مخير، فبأي الوجهين أو بأي الوجوه الواردة قرأ أجزأه، إلا أن يكون هناك وجه مختار مقدم فإنه يقتصر عليه ويترك غيره، وذلك نفسه ما يفعله القراء عندنا في باب المد مثلا حين يقرأون "وبالاخرة هم يوقنون" فإنهم يمدون "الاخرة" مدا متوسطا مع انهم يذكرون فيه الوجهين أو الثلاثة على ما سيأتي من مذاهب في ذلك، فكيف يلتزمون عند البسملة بالإتيان بوجهي السكت والوصل ولا يرون الرواية تنم إلا بهما، ثم هم لا يفعلون مثل ذلك في كل ما فيه اكثر من وجه مما مثلنا له؟
وقد تقدمنا إلى التنبيه على هذه الهنة في جملة ما نبه عليه الدكتور الحسن وكاك من الأوضاع الغريبة في التلاوة المغربية مما مثل له بأمثلة عديدة منها "التزام الترجيع بين السور، والتسمية لبعض السور دون البعض" ().
وهذا يقودنا إلى بحث تفرع عن صنيعهم هذا، وهو:
مبحث وضع علامة الوقف على أواخر السور
فقد "وقع الخلاف بين المتأخرين من قراء المغرب حول وضع "صه" في أواخر السور ... وقد أنكر ذلك كل من السيد محمد بن عبد السلام الفاسي والسيد إدريس البدراوي الودغيري بناء على أن أواخر السور القرآنية محل التمام، ومحل التمام أحق بالوقف من غيره كما هو معلوم" ().
وإلى هذا القول الأخير جنح الإمام القيجاطي فيما حكاه عنه تلميذه المنتوري قال: "لأنه لا خلاف في جواز ذلك في المواقف التامة، ولا أتم من آخر السورة ـ: ومن منع ذلك واحتج بأن المصنفين للحروف لم يذكروه، فلا حجة له، لأن عادة المصنفين للحروف أن يذكروا مواضع الاختلاف، ولا يذكروا مواضع الاتفاق".
قال المنتوري: "وبهذا الذي أجاز شيخنا ـ رحمه الله ـ فيما ذكره كان يأخذ على أصحابه، وبذلك قرأت عليه وبه آخذ، ولا يمنع من ذلك من له نظر صحيح" ().
وعلى هذا المذهب ذهب صاحب الأبيات التالية إذ يقول:
¥