في الهمزتين المجتمعتين من كلمة وأحوالهما.
تقع الهمزة ـ والمراد بها هنا همزة القطع ـ مجتمعة مع مثلها في كلمة واحدة في القرآن الكريم على ثلاث صور:
الأولى: أن تتفقا مفتوحتين نحو "أنذرتهم " "أنتم""أسلمتم" "أتخد من دونه".
الثانية: أن تختلفا في الحركة والأولى مفتوحة والثانية مكسورة، نحو "أئنكم" "أئفكا" "أءله مع الله" " أئمة يهدون".
الثالثة: أن تختلفا والأولى مفتوحة والثانية مضمومة نحو "أءنزل" "أءلقي عليه" أءشهدوا خلقهم".
ولأبي يعقوب الأزرق عن ورش في كل قسم منها أصول التزم بها وافق فيها بعض القراء والرواة وخالف سائرهم. فأما مذهبه في المتفقتين بالفتح فقد اختلفت الطرق عنه في ذلك بين التسهيل والبدل.
وقد اقتصر أبو عمرو في "التعريف" على ذكر وجه التسهيل وجعله حكما عاما في الهمزتين من كلمة فقال: "كان ورش يسهل الثانية من الهمزتين المتلاصقتين ولا يدخل بينهما ألفا". ()
وذكر في "التسيير" وجه التسهيل مضمنا، ثم عطف عليه وجه البدل فقال: "فان الحرميين وأبا عمرو وهشاما يسهلون الثانية منهما، وورش بيد لها ألفا، والقياس أن تكون بين بين"". ()
فقوله فان الحرميين يشير به الى نافع وابن كثير، فيدخل ورش عن نافع ضمنا في وجه التسهيل الذي عبر عنه ببين بين ثم عطف عليه الوجه الثاني المروي عن ورش وهو وجه البدل، إلا أنه تعقبه بما يشبه التوهبن في قوله: ""والقياس أن تكون بين بين"".
وتبعه الشاطبي في ذلك بقوله مع زيادة بيان وتفصيل فقال:
"وتسهيل أخرى همزتين بكلمة "سما"، وبذات الفتح خلف لتجملا
وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت لورش، وفي بغداد يروي مسهلا
وتبعه ابن بري في هذا الصنيع فقال:
فنافع سهل أخرى الهمزتين بكلمة فهي بذاك بين بين
لكن في المفتوحتين أبدلت عن أهل مصر ألفا ومكنت
وقد شرح شارحه الأول أبو عبد الله الخراز بيته الأخير على أنه يعني أن التسهيل في المتفقتين بالفتح أنما هو رواية قالون ـ يعني عن نافع ـ ورواية عبد الصمد عن ورش من طريق البغداديين قال:
"وأما المصريون فرووا عن أبي يعقوب عن ورش إبدالها ألفا لانفتاح ما قبلها". ()
وتعقبه أبو زيد بن القاضي في "الفجر الساطع" فقال: "ذكر الشارح وتابعوه أن البدل من طريق ابن سيف في الثانية من المفتوحتين ذكره صاحب "التذكرة"، () وعلى هذا يتخرج كلام المصنف ولا يلتفت لما قالوه. قال الإمام المحقق ابن الجزري في "تقريب النشر":"سهل الثانية من المفتوحتين بين بين ورش من طريق الأزرق عند أبي الحسن بن غلبون وابن بليمة () وصاحب العنوان () وغيرهم " ()
وقال الإمام الخباز في "شرح التفصيل" وكذلك أبو يعقوب له التسهيل أيضا خلاف ما عند شراح الدرر" الذين يقولون: إن التسهيل من طريق البغداديين، والبدل من طريق المصريين، وظاهر هذا الكلام أن أبا يعقوب ليس له تسهيل، وكأن الشيخ –يعني ابن غازي ـ إنما أتى بهذا البيت في معرض الاستثناء لهم والرد عليهم، وإلا استغنى عنه بقوله: "وإن عزا لواحد خلافا ... البيت" ().
وقال سيدي الحسن الدرعي في شرحه: "وروي عن أبي يعقوب البدل كما روي عنه التسهيل، قال أبو العباس أحمد الزواوي (): وافق أبو يعقوب صاحبه وزاد البدل" ()
ذلك ما قرره أبو زيد بن القاضي تصحيحا لخطأ شراح الدرر اغترارا بما ذهب إليه الشارح الأول وتقليدا له. وقد استوفي أبو عمرو في كتبه هذه المباحث بما لا يدع فيها مجالا لشك أو ارتياب، وهذه بعض نصوصه في ذلك.
قال في "جامع البيان" واختلف في ذلك عن نافع فروى ورش من غير رواية أبي يعقوب عنه موافقة لابن كثير ـ يعني في تسهيل الثانية من المفتوحتين بين بين ـ وروى أبو يعقوب عن ورش أداء تحقيق الأولى وإبدال الثانية ألفا محضة والإبدان على غير قياس، إلا أنه سمع وروي فجاز استعماله في المسموع والمروي لا غير "ثم قال أبو عمرو:
وهذا الذي حكيناه عن أصحاب ورش وقررناه من مذاهبهم في هذا الضرب على ما تلقيناه أداء دون ما رويناه نصا، فأما النص فإن أبا الأزهر وداود وأبا يعقوب قالوا عنه:
"كل همزتين منتصبتين التقتا في أول حرف مثل""آنتم" "آنذرتم" "آرباب" "آلد وأنا"" فإنه يبين الأولى ويمد الآخرة، لم يزيدوا على ذلك شيئا، ولا ميزوا كيفية التسهيل" ().
¥