وقال مكي في التبصرة":"وأما ورش فإنه يبدل الثانية ألفا فيمده لأنه استفهام، ولأنها همزة تقدمت حرف المد واللين، ولأن الألف بعدها ساكن وهو النون من "آنذرتهم" "آنت". قال:
"وقد قيل: إنه يجعلها بين الهمزة والألف وهو أقيس في العربية، ولكن يتمكن إشباع المد مع البدل ما لا يتمكن مع غيره، وبالإشباع قرأت" ().
وقال المهدوي في "الموضح" موجها لهذه الرواية:"وعلة ورش في إبدال الثانية من المفتوحتين ألفا نحو "أنذرتهم" أن هذا هو البدل على غير قياس، وهو أن تبدل الهمزة المتحركة بحرف ساكن، وإنما فعل ذلك فرارا من الهمزة محققة كانت أو مخففة، ورأى أن نطقه بالألف اللينة أخف من نطقه بهمزة بين بين، لأنه حين سهلها بين بين لم يقنع بذلك، لأنها عنده بمنزلة المحققة." ().
وقد أفاض أبو العباس المهدوي في الاحتجاج لهذا المذهب بما لا مزيد عليه. وكذلك مكي في الكشف ().
والحاصل أن قراءة الإبدال على مذهب المصريين عن ورش أكثر جمهورا عند المغاربة وبها أخذ عامة القيروانيين ومن أخذ بمذهبهم، ولم يذكر الحصري في قصيدته لورش سواه، وذلك في قوله:
"حكى ورش الإبدال فيها وقد حكوا خلافا، ولكنا كما نشتري نشري ()
وإلى شيوع قراءة البدل يشير المنتوري بقوله:
"وقرأت الثانية من المفتوحتين على أكثر من قرأت عليه بابدالها ألفا، وكان شيخنا أبو عبد الله القيجاطي ـ رضي الله عنه ـ يأخذ في الثانية بالتسهيل بين بين لورش كابن كثير، وبذلك قرأت عليه" ()
وإلى رواية البدل أشار الأوعيشي في أرجوزة "ما به الأخذ" بقوله:
"وذا الذي يعزي لأهل مصر جرى به العمل فافهم وادر.
- وأما اجتماع همزتين في كلمة واحدة وأولاهما متحركة والثانية ساكنة فليس من هذا الباب لأنه لا خلاف في إبداله وجها واحدا للجميع، وذلك نحو "أمنوا" "وأدم" و"إيمانا" وأوتوا" و"أوذينا" كما أشار ابن آجروم إليه في "البارع" بقوله:
"وليس في أخرهما إن سكنت خلف كأوتوا بل لكل أبدلت.
والسلام عليكم
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[17 May 2008, 02:54 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
أخي الشيخ عبد الرازق اسمح لي أن أعقّب على ما تفضلت فأقول وبالله التوفيق:
فالاحتمال الذي أقصده هو أن تُبنى المسألة على احتمال قراءة الداني للوجه على سبيل الظنّ، وذلك في المسائل المتعلّقة بالرواية كأوجه البدل واللين المهموز وغير ذلك ولا أظنّ أنّ سلف الأمّة كانوا يعتمدون على الاحتمال في الرواية والنقل بل كانوا يعتمدون على النصّ بالدرجة الأولى ثمّ الأداء ثمّ القياس الذي يدخل فيه الاحتمال عند عدم النصّ وغموض الوجه في الأداء، هذا هو الأصل.
فإن ثبت أنّ الداني قرأ بالوجه فينبغي التمسّك به وأمّا إن كان كلامه يحتمل ففي هذه الحالة لا بدّ من شرطين:
أوّلاً: أنّ يكون النصّ محتملاً للوجه احتمالاً قوياً ومعتبراً
ثانياً: أن يكون مضمون ذلك الاحتمال ثابتاً بالأداء مشهوراً ومستفاضاً
وقد ذكرت الكثير من الأمثلة عند تعرّضي لمسائل القياس حيث كان القدامى يعتمدون على القياس تقوية للأوجه الثابتة عندهم بالأداء المجرّد عن النص.
فكلام الداني في جامع البيان يحتمل الطول في البدل احتمالاً قوياً لأنّه استعمل لفظ "الزيادة اليسيرة" على التوسط وتسويته بالمتصل والمنفصل، ولست أوّل ما قال بذلك بل الكثير من المحققين والمحررين كالأزميري والمتوليّ والضباع وغيرهم، زيادة على ذلك أننا تلقينا جميعاً طول البدل من الشاطبية كابراً عن كابراً بالسند إلى الإمام الشاطبيّ، فإن لم يثبت وجه الطول من جامع البيان فمن أين إذن؟
أمّا ما نقلته عن الشيخ حميتوا فلا يمكن الجزم أنّ طول لم يقرأ به الداني لعدة أسباب:
- لقوّة احتمال كلام الداني لوجه الطول في جامع البيان
- اعتماد الكثير من المحققين والمحررين على كلام الداني لعزو وجه الطول إليه
- ثبوت الوجه بالأداء من طريق الشاطبية واشتهاره واستفاضته
إذن فالاحتمال مبنيّ على أصل وثيق ونصّ معتبر وأداء مشتهر إضافة إلى تواتر وجه طول البدل عن غير الداني مما يقويّ الاعتبار في ثبوت وجه الطول للداني على أساس كلامه في جامع البيان.
¥