قال الداني عليه رحمة الله تعالى: "واختلفوا في الياء إذا زال عنها الكسر وانفتح ما قبلها، وذلك في العين من {كهيعص} و {عسق} فبعضهم يزيد في تمكينه كالزيادة لها إذا انكسر ما قبلها لأجل الساكنين، وهذا مذهب ابن مجاهد فيما حدّثني به الحسن بن عليّ البصري عن أحمد بن نصر عنه، وإليه كان يذهب شيخنا أبو الحسن علي بن بشر، وأبو بكر محمد بن عليّ، وهو قياس قول من روى عن ورش المدّ في شيء والسوء وشبههما، وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها لتغيّر حركة ما قبلها إذ ذلك قد زال عنها معظم المدّ، فيُعطيها من التمكين بقدر ما فيها من اللين لا غير، وهذا كان مذهب شيخنا أبي الحسن بن غلبون، ومذهب أبيه ومذهب أبي علي الحسن بن سليمان، وجماعة سواهم، وهو قياس قول من روى عن ورش القصر في شيء وبابه " (جامع البيان ص 206).
أقول: إنّ عبارة الداني توهم أنّ مقدار المدّ في العين عند طاهر ابن غلبون هو القصر وذلك عند قول الداني "وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها لتغيّر حركة ما قبلها إذ ذلك قد زال عنها معظم المدّ، فيُعطيها من التمكين بقدر ما فيها من اللين لا غير، وهذا كان مذهب شيخنا أبي الحسن بن غلبون " وقوله "وهو قياس قول من روى عن ورش القصر في شيء وبابه "
ولكن من تمعّن جيّداً في كلام الداني يدرك أنّه أراد من تلكم العبارات التوسط لا غير لعدّة أسباب:
أوّلاً: إنّه ذكر مذهبين في مقدار مدّ العين في {كهيعص} و {عسق} الطول والتوسط إذ لا يُعقل أن يذكر وجه الطول مع القصر دون ذكر التوسط لوجود فاصل كبير بين مرتبة الطول والقصر.
ثانياً: إنّ سبب السكون أقوى من سبب الهمز كما هو معلوم فلا يُعقل أن يكون مقدار مدّ العين في {كهيعص} و {عسق} أقلّ من مقدار المدّ في نحو {شيء} و {كهيئة} وشبههما.
ثالثاً: قول الداني: " وبعضهم لا يبالغ في زيادة التمكين لها لتغيّر حركة ما قبلها إذ ذلك قد زال عنها معظم المدّ ". فذكر عدم المبالغة في التمكين إذ لو كان مراده القصر لما استعمل لفظ المبالغة، فالمبالغة المقصود منها الطول وعدم المبالغة في التمكين هو التوسط وعدم التمكين هو القصر. فاستعماله لعبارة عدم المبالغة دليل على التوسط لا غير.
رابعاً: أمّا عبارة الداني: "وهو قياس قول من روى عن ورش القصر في شيء وبابه " فالمراد منها التوسط لا غير لعدم ثبوت وجه القصر في اللين المهموز عن الأزرق وقد وضّح ذلك ابن الجزريّ في نشره حين قال: "ومنهم من أخذ بالتوسط نظراً لفتح ما قبل ورعاية للجمع بين الساكنين وهذا مذهب أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون وابنه أبي الحسن طاهر بن غلبون. وأبي الحسن علي بن سليمان الانطاكي وأبي الطاهر صاحب العنوان وأبي الفتح بن شيطا وأبي علي صاحب الروضة وغيرهم وهو قياس من روى عن ورش التوسط في (شيء) وبابه وهو الأقيس لغيره والأظهر وهو الوجه الثاني في جامع البيان وحرز الأماني والتبصرة وغيرهم" (النشر 1/ 348).
فقول ابن الجزري: " وهو قياس من روى عن ورش التوسط في (شيء) وبابه " لتوضيح لعبارة الداني في جامعه.
خامساً: عبارة صاحب التذكرة المذكورة في أوّل البحث توضّح كلام الداني، إضافة إلى توضيح ابن الجزريّ عند قوله: "ومنهم من أخذ بالتوسط نظراً لفتح ما قبل ورعاية للجمع بين الساكنين وهذا مذهب أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون وابنه أبي الحسن طاهر بن غلبون " وقوله "وهو الوجه الثاني في جامع البيان " أي مراد النصّ الذي نقلناه عن الداني.
فنخلص مما سبق أنّ مذهب طاهر ابن غلبون في مقدار تمكين العين في {كهيعص} و {عسق} هو التوسط لا غير وهو مذهب أبيه عبد المنعم كما هو ظاهر النشر.
بيت القصيد:
إن كان مذهب طاهر ابن غلبون التوسط في عين شورى ومريم، فلماذا أجاز المحررون وجه الطول في العين مع قصر البدل؟
إن منع المحررون التقليل في الذوات على قصر البدل لعدم ثبوته من طريق التذكرة فلماذا لم يمنعوا وجه الطول في العين على قصر البدل أيضاً وغير ذلك مما لم يثبت من طريق أبي الحسن طاهر ابن غلبون؟
أكتفي بما ذكرت وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد يحيى شريف الجزائري
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[13 Jun 2008, 01:09 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
¥