تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أقول: من خلال ما سبق من كلام الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى يتبيّن أنّ أبا عمرو الداني لم يقرأ على مشايخه الثلاثة من طريق أبي يعقوب الأزرق إلاّ بإسكان الهاء وتحقيق الهمز في {كتابيه إنّى} كما يظهر من كلامه في جامع البيان والتيسير وما نقله الخراز والسخاوي عنه، وهو ظاهر كلام النشر والتذكرة لابن غلبون، وإنّما قرأ بوجه النقل من طريق عبد الصمد وغيره من غير طريق الأزرق كما ذكر في جامع البيان. فوجه النقل وإن ذكره الإمام الشاطبيّ في قصيدته فإنّ الداني لم يقرأ به من طريق أبي يعقوب الأزرق، وحينئذ يكون وجه النقل خارج من طرق الإمام الشاطبيّ رحمه الله تعالى، وبالتالي فينبغي الاكتفاء بوجه الإسكان وعدم النقل من طريق الحرز والعلم عند الله تعالى.

ب – تحرير كلمة {ماليه هلك} من حيث الإدغام والإظهار وعلاقتها ب {كتابيه إنّي}

أمّا {ماليه هلك} في الحاقة، فقال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: "وأما (ماليه هلك) في سورة الحاقة فقد حكى فيه الإظهار من أجل كونه هاء سكت كما حكى عدم النقل في (كتابيه إني) وقل مكى في تبصرته: يلزم من ألقى الحركة في (كتابيه إني) أن يدغم (ماليه هلك) لأنه قد أجراها مجرى الأصل حين ألقى الحركة وقدر ثبوتها في الأصل. قال وبالإظهار قرأت وعليه العمل وهو الصواب إن شاء الله قال أبو شامة يعني بالإظهار أن يقف على ماليه هلك وقفة لطيفة. وأما أن وصل فلا يمكن غير الإدغام أو التحريك قال وإن خلا اللفظ من أحدهما كان القارئ واقفاً وهو لا يدري لسرعة الوصل. وقال أبو الحسن السخاوي وفي قوله (ماليه هلك) خلف. والمختار فيه أن يوقف عليه لأن الهاء إنما اجتلبت للوقف فلا يجوز أن توصل فإن وصلت فالاختيار الإظهار لأن الهاء موقوف عليها في النية لأنها سيقت للوقف: والثانية منفصلة منها فلا إدغام (قلت) وما قاله أبو شامة أقرب إلى التحقيق، أحرى بالدراية والتدقيق؛ وقد سبق إلى النص عليه أستاذ هذه الصناعة أبو عمرو الداني رحمه الله تعالى قال في جامعة فمن روى التحقيق يعني التحقيق في (كتابيه إني) لزمه أن يقف على الهاء في قوله (ماليه هلك) وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنه واصل بنية الواقف فيمتنع بذلك من أن يدغم في الهاء التي بعدها قال ومن روى الإلقاء لزمه أن يصلها ويدغمها في الهاء التي بعدها لأنها عنده كالحرف اللازم الأصلي انتهى وهو الصواب والله أعلم." (النشر 2/ 21).

أقول: كلام ابن الجزريّ يوضّح أنّ الإدغام في {ماليه هلك} ضعيف عند أهل الأداء ولم يُنقل عن الداني، ويدلّ على ذلك أنّ وجه الإدغام منوط بوجه النقل في {كتابيه إنّي}، وقد علمنا فيما سبق أنّ الداني لم يقرأ بوجه النقل في {كتابيه إنّي} فيكون مذهبه في {ماليه هلك} الإظهار لا غير لعدّة أسباب:

أوّلاً: لم يثبت عن الداني فيما اطلعت عليه أنّه قرأ بوجه الإدغام في {ماليه هلك}.

ثانياً: قد ذكر الداني في جامع البيان أنّ من روى التحقيق في (كتابيه إني) لزمه أن يقف على الهاء في قوله (ماليه هلك) وقفة لطيفة في حال الوصل من غير قطع لأنه واصل بنية الواقف. فإن كان مذهبه التحقيق في {كتابيه إنّي} فيكون مذهبه في {ماليه هلك} بالإظهار ضرورة من جهة القياس والأداء جميعاً حيث وافق القياس وجه الأداء، فلا اعتراض على القياس في هذه المسألة إن وافق القياس الأداء كما اعترض أحد إخواننا الكرام على ذلك. وإنّما الاعتراض يكون في حالة ثبوت وجه النقل في {كتابيه إنّي} كما هو الحال في رواية ورش من طريق عبد الصمد فيقوم أهل الأداء بإثبات وجه الإدغام في {ماليه هلك} من طريقه قياساً على النقل في {كتابيه إنّي} وإن لم يثبت، ففي هذه الحالة يكون الاعتراض في محلّه لإعمال القياس على حساب الأداء أوالنصّ أو كليهما.

قد يقول قائل لا بدّ من التسوية بينهما لاتفاقهما في الوصف لقول ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى " واللفظ في نظيره كمثله "؟ الجواب: اتفاق الحرفين أو الكلمتين في الوصف لا يعني اتفاقهما في الحكم، فقد قرأ نافع {لا يَحزُنهم} في الأنبياء بفتح الياء وضمّ الزاي خلافاً لغيرها، وقرأ أبو جعفر بعكس ذلك أي بضمّ الياء وكسر الزاي دون غيرها، وقرأ شعبة لفظ {رضوان} بضمّ الراء في جميع القرءان إلاّ موضع المائدة وهكذا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير