قال أبو الحسن طاهر ابن غلبون عليه رحمة الله تعالى: " والسابع: إذا وقع بعد هذه الراء ألف، بعدها همزة مفتوحة، كقوله تعالى {إلاّ مراءً} و {افتراءً عليه} و ٍ افتراءً على الله} وما أشبه. " ثمّ قال " وقد ذهب قوم إلى الأخذ لورش في هذا الموضع - أي الثامن - والموضع الذي قبله – أي السابع – بين اللفظين، وقد قرأت بذلك على بعضهم والفتح أجود فيهما " (التذكرة 1/ 224).
قال أبو عمرو الداني عليه رحمة الله تعالى: " وقد خالف أبو الحسن أيضاً الجماعة من أهل الأداء في الراء التي يليها كسرة لازمة ............. والألف التي بعدها همزة نحو قوله {افتراءً علي الله} و {افتراءً عليه} و {مراءً ظاهراً} وما أشبهه.والألف التي بعدها عين نحو قوله {ذراعيه} و {ذراعاً} و {سراعاً}. وقرأت ذلك كلّه على غيره بالإمالة اليسيرة، وهو الصحيح في الأداء والقياس وبه آخذ. " (جامع البيان ص353).
قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: " ثالثها (افتراء على الله، وافتراء عليه، ومراء) ففخمها من أجل الهمزة ابن غلبون صاحب التذكرة وابن بليمة صاحب تلخيص العبارات وأبو معشر صاحب التلخيص وبه قرأ الداني على أبي الحسن ورققها الآخرون من أجل الكسرة وذكر الداني الوجهين في جامع البيان." (النشر 2/ 97).
قال الأزميري عليه رحمة الله تعالى: " قوله تعالى: {إلاّ مراءً ظاهراً} فيه للأزرق بحسب التركيب أربعة أوجه يصحّ منها ثلاثة أوجه الأوّل والثاني ترقيق {مراء} مع ترقيق {ظاهراً} للجمهور ومع تفخيم {ظاهراً} في الحالين من الكامل وإرشاد أبي الطيّب وفي الوصل فقط من الهداية والكافي ومن التجريد عن عبد الباقي في أحد الوجهين، والثالث تفخيم {مراء} مع ترقيق ظاهراً من التذكرة وتلخيص ابن بليمة ولأبي مشعر وبه قرأ الداني على ابن غلبون ويمتنع تفخيمهما معاً " (بدائع البرهان ص118).
أقول من خلال ما سبق من كلام أئمّتنا عليهم رحمة الله تعالى يتبيّن ما يلي:
أوّلاً: قراءة الداني على ابن خاقان وأبي الفتح بالترقيق لقول الداني في جامع البيان "وقرأت ذلك كلّه على غيره- أي أبي الحسن - بالإمالة اليسيرة ".
ثانياً: قراءة الداني على أبي الحسن بالتفخيم كما هو ظاهر في جامع البيان والنشر.
ثالثاً: ثبوت الوجهين من التذكرة لابن غلبون كما هو ظاهرٌ من كلام أبي الحسن والأزميري.
رابعاً: ورود وجه الترقيق عن أبي الطيّب والد طاهر ابن غلبون على ما ذكره الأزميري. ويؤكد ذلك أنّ مكي القيسي لم يذكر في كتابه التبصرة إلاّ وجه الترقيق ومن شيوخه في إسناد رواية ورش أبو الطيّب ابن غلبون.
أقول: هناك إشكال وهو أنّ الداني قرأ على أبي الحسن بالتفخيم على ما يظهر في جامع البيان والنشر، وقرأ أبو الحسن على أبي الطيّب بالترقيق لورود الخلاف عن أبي الحسن من جهة وورود وجه التفخيم عن أبي الطيّب من جهة أخرى. وإسناد الداني عن أبي الحسن هو عن أبي الطيّب أي قراءة الداني على أبي الحسن عن أبي الطيّب ومع ذلك فقد أقرأ أبو الحسن تلميذه الداني بغير ما قرأه على أبيه أبي الطيّب. قد يكون السبب في ذلك تقديم أبي الحسن وجه التفخيم على وجه الترقيق وقراءته له على غير أبي الطيّب فيكون بذلك خارجاً عن الطريق.
وبالتالي فإننا نُثبت الوجهين لصاحب التذكرة من طرق النشر والحرز: فالتفخيم باعتبار قراءة الداني على أبي الحسن كما أثبته له بن الجزريّ في نشره مع التذكير أنّ أبا الحسن قدّمه في الأداء، والترقيق باعتبار قراءة صاحب التذكرة على أبي الطيّب إذ هو من طرق الشاطبية أيضاً. وإن كنت أميل إلى وجه الترقيق لأنّه هو الأصل أي قراءة أبي الحسن على أبيه قبل أن يُقرئ أبو الحسن تلميذه الداني بوجه التفخيم خلافاً لما قرأ على أبيه. والعلم عند الله تعالى.
وهذا مثال آخر لبعض الأوجه التي أهملها الإمام الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى والتي هي من طرقه ومصادره، وقد أثبت وجه التفخيم ابن الجزري في نشره لصاحب التذكرة ولم يُضعّفه لثبوته عن غير أبي الحسن كابن بليمة وأبي مشعر الطبري. وطريق كتاب التذكرة من النشر هو نفس الطريق من الشاطبية لورش.
فنخلص مما سبق أنّ تحرير الكلمات: (افتراء على الله، وافتراء عليه، ومراء) مع أوجه البدل هي كالتالي:
- قصر البدل وعليه التفخيم والترقيق جميعاً فيها: فالتفخيم من التذكرة وبه قرأ الداني على أبي الحسن، والترقيق من التذكرة أيضاً وبه قرأ أبو الحسن على بعض شيوخه وقرأ به أبوه أبو الطيّب (عبد المنعم).
- توسط البدل وعليه الترقيق من التيسير وبه قرأ الداني على ابن خاقان.
- طول البدل وعليه الترقيق أيضاً من جامع البيان وبه قرأ الداني على أبي الفتح.
وأمّا قوله تعالى: {إلاّ مراءً ظاهراً} فتحريرها كالتالي:
- الترقيق فيهما أي في {مراءً} و {ظاهراً} من التيسير وجامع البيان والتذكرة
- التفخيم في {مراءً} مع الترقيق في {ظاهراً} من التذكرة وبه قرأ الداني على أبي الحسن.
أكتفي بما ذكرت وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد يحيى شريف الجزائري
¥