ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[10 Dec 2008, 12:19 ص]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد
أخي الشيخ لا تعرّج بنا على بعض المسائل التي قد تخرجنا من الموضوع ودعنا في موضوع الفرجة، ولا أريد أن أخوض في موضوع الإشمام في {من لدني} لشعبة فليس محلّه الآن، وحتّى إن سلّمنا أنّ الجعبريّ كان مصيباً والدني مخطئاً فهل يدلّ هذا على أنّ الجعبريّ أصاب في جميع ما قال؟ أو أنّه يصيب دائماً عند معارضته لكلام الداني؟ هذا كلام غير معقول.
أخي الشيخ انتبه لما سأقوله لك: إنّ انطباق الشفتين في الميم المخفاة هو الموافق للنصوص المعتبرة والقواعد المقرّرة عند الأئمّة لعدّة أسباب:
أوّلاً: ثبوت نصوص صريحة للمتقدّمين مضمونها وجوب انطباق الشفتين في الميم المخفاة.
ثانياً: لم تًخْفَ الميم عند الباء إلاّ لأجل انطباق الشفتين كما هو واضح من كلام الداني وغيره، ولولا انطباق الشفتين لما أخفيت الميم عند الباء. فالميم تدغم في مثلها وتُخفى عند الباء لانطباق الشفتين وتظهر عند باقي الأحرف لانفراج الشفتين. وهذا كلام واضح كالشمس لا يمكن تأويله بأيّ حال.
ثالثاً: قد وصف الأئمّة بأنّ النون المخفاة يزول ذاتها لأنّ اللسان لا يقرع الحنك وبالتالي فليس هناك إعمال للعضو فزال ذاتها وبقي الصوت جارياً من الخيشوم خلافاً للميم فإنّ ذاتها لا تزول بسبب إعمال العضو بانطباق الشفتين والخيشوم معاً عند الإخفاء. ولو قرأ القدامى بالفرجة في الميم المخفاة لوصفوها بزوال ذاتها كما فعلوا في النون المخفاه.
رابعاً: ذكر القدامى بأنّ مخرج الخيشوم هو للنون المخفاه فحسب، ولم يذكروا معها الميم المخفاه. السؤال لماذا؟ الجواب: لأنّ النون المخفاة لا عمل للسان أي أنّ اللسان لا يقرع الحنك فزال ذاتها، خلافاً للميم المخفاة ففيها إعمال للشفتين بالانطباق فبقيت ذات الميم. فصار للميم مخرجان عند الإخفاء وهما الشفتان بالانطباق والخيشوم خلافاً للنون فليس لها إلاّ الخيشوم من غير قرع للسان بالحنك. فانطباق الشفتين عند إخفاء الميم حمل الأئمّة على عدم جعلها من مخرج الخيشوم لأجل إعمال العضو فيها بالانطباق.
خامساً: لو أخفينا النون عند الباء من غير قلب في نحو {من بعد} فلا شكّ أن الشفتين تكونان في حالة انفراح، فإن كان كذلك فما هي الفائدة من إقلاب النون ميماً ثمّ نفرّج بين الشفتين عند إحفاء الميم لنحصل على نفس النتيجة.
سادساً: إنّ العلّة من الإدغام والإخفاء والإقلاب هو التخفيف والتيسير في النطق. ولا شكّ أنّ العرب أقلبوا النون ميماً في نحو: (عنبر) فنطقوها (عمبر)، و (سنبل) فنطقوها (سمبل) لأجل التخفيف. السؤال هل يمكننا أن نُفرّج بين الشفتين عند قلب النون ميماً في (عمبر)، و (سمبل) عند الكلام؟ وهل هو تيسير أم تعسير في النطق؟ خلافاً للنون المخفاه في {عنك} و (من قبل) فإنّ اللسان لا يقرع الحنك حتّى عند الكلام. ونعلم جميعاً أنّ قواعد التجويد والقراءات مأخوذه من لغة العرب إلاّ تطويل المدّات والغنّات والسكتات على الهمز كما أفادنا بذلك الشيخ العلامة أيمن رشدي سويد حفظه الله تعالى.
أقول لأخي الشيخ أنّ نصوص الأئمّة صرّحت:
- بأنّ الميم أخفيت لأجل انطباق الشفتين
- بأنّ الميم لا يزول ذاتها خلافاً للنون
- بأنّ الميم المخفاة لا تخرج من الخيشوم خلافاً للنون
ولو قلنا بالفرجة بين الشفتين لانتفت العلّة التي من أجلها أخفيت الميم عند الباء ولوُصفت الميم بزوال ذاتها ولجعلوا الميم المخفاة من مخرج الخيشوم كما في النون ولكنّ الأئمّة ما نصّوا بذلك لأنّ إخفاء الميم يستلزم ضرورة انطباق الشفتين وعدم زوال ذاتها وعدم خروج صوتها مجرّداً من الخيشوم.
أخي الشيخ أرجو أن تكون فاهماً ومدركاً لهذه الأشياء لتعلم أنّ الباب متين لا يمكنك خرقه بنتقد جميع ما قرره أئمّتنا بكلام واحد من المتأخرين عنهم. واعلم أنّ الإمام الجعبريّ إذا قصدَ انفراج الشفتين عند إخفاء الميم فيستحيل أن يكون بذلك موافقاً لما قرّره أئمّتنا عليهم رحمة الله.
وأتعجّب من المثال الذي ذكرت وهو رجوع الشيخ المتولّي إلى القول بترك العنّة في اللام والراء لورش من الطيّبة إذ لا أرى أيّ علاقة بين هذا المثال وموضوعنا. فالمتولّي عليه رحمة الله اعتمد على كلام الأزميري لموافقته لما تضمنته مصادر النشر عند تحرير الطرق، وأعتقد اننا عندما نطبق الشفتين سنوافق بذلك المصادر القديمة التي مؤلّفوها هم مؤلّفوا مصادر النشر التي اعتمد عليها ابن الجزري والأزميري والمتولي. أظنّ أنّك فهمت المقصود.
أمّا اعترافي بكلام الجعبريّ فليس جديداً لأنّ نقاشي معك في الموضوع في بداية ظهور نصّ الجعبريّ كان على أساس التسليم بأنّ النصّ هو من كلامه حقيقة، وبالتالي فنصّه هذا لا لم يؤثّر عليّ في النقاش لا من قريب ولا من بعيد.
ولو تركت النقاش بعد عيد الأضحى لكان أفضل ولكنّ دمائنا تغلي ولا تصبر على الردّ.
¥