رابعاً: زيادات القصيدة على التيسير انقطع سندها من وقت ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى حيث اقتصر على إسناد الداني عن ابن خاقان اختصاراً وأهمل الأسانيد التي تضمنتها تلك الزيادات. وأعتقد أنّ السبب الذي حمل ابن الجزريّ عليه رحمة الله الاقتصار على إسناد واحد للشاطبية هو انتشارها في الأمصار وتواتر ما تضمنته من القراءات والروايات والطرق والأوجه إضافة أنّ الأمّة قد تلقتها بالقبول في سائر الأعصار والأمصار واعتنى بها أهل الأداء حفظاً و رواية وشرحاً حتّى قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى " ولا أعلم كتاباً حُفِظ وعُرِض في مجلس واحد وتسلسل بالعرض إلى مصنّفه كذلك إلاّ هو ".
خامساً: الظاهر والله أعلم أنّ الأسانيد التي حكم عليها المتولي بأنّها مجهولة هي التي ذكرها السخاوي في فتح الوصيد وسأنقلها فيما يلي:
قال السخاوي: " يقول محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي المقرئ وفقه الله- شيخ الشاطبي-: إنّ صاحبنا أبا محمد قاسم بن فيرّه بن أبي القاسم الرعيني حفظه الله وأكرمه قرأ عليّ القرءان كله مكرّراً ومردّداً، مفرداً لمذاهب القرأة السبعة أئمّة الأمصار رحمهم الله من رواياتهم المشهورة وطرقهم المعروفة التي تضمنها كتاب التيسير والاقتصاد للحافظ أبي عمرو المقرئ وغيرهما وهم ............. " ثم قال " فأمّا قراءة نافع من رواية ورش عنه: فقرأت بها القرءان كلّه وبغيرها من الروايات والطرق المتضمنة في الكتابين المذكورين على الفقيه الأجلّ الشيخ المقرئ الإمام الأوحد أبي عبد الله محمد بن الحسن بن سعيد رحمه الله. قال قرأت بها القرءان كلّه أيضاً على الفقهاء الأجلّة الشيوخ المقرئين الأئمّة: أبي الحسن علي عبد الرحمن الأنصاري المعروف بابن الدوش وأبي داود سليمان بن أبي القاسم العموي، وأبي الحسن يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد رحمه الله عليهم. قال أخبروني بها عن الإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ، مؤلّف الكتابين المذكورين تلاوةً منهم عليه رضي الله عنه بالأسانيد المذكورة فيهما عن الأئمّة السبعة الموصولة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فأغني ذلك عن ذكرها هاهنا.
وقال لي: قرأت أنا أيضاً برواية ورش على الشيخ أبي الحسن يحيى بن أبي زيد المذكور على الفقيه الفاضل الإمام المقرئ أبي الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيه رضي الله عنهما، قال أبو الحسن: حدثنا بها الإمام أبو محمد مكي بن أبي طالب المقري عن أبي عدي عبد العزيز بن علي،
وقال أبو الحسن: قرأت بها على الشيخ أبي محمد عبد الله بن سهل المقرئ، وأخذ عليّ بالتحقيق، وأخبرني أنّه قرأ بهما على أبي القاسم عبد الجبار ابن أحمد الطرسوسي بمصر، وتلقاها أبو القاسم من أبي عدي المذكور، وتلقاها أبو عدي من أبي بكر عبد الله بن سيف، وتلقاها أبو بكر من أبي يعقوب يوسف بن عمرو الأزرق .... " اتنهى كلامه. (فتح الوصيد 1/ 118 إلى 120).
من خلال ما نقل السخاوي من كلام شيخ النفزي الشاطبي يتبيّن أن للشاطبي ثلاثة أسانيد
الأول: إسناده إلى الداني: من كتاب التيسير والاقتصاد لأبي عمرو الداني دون غيرهما.
الثاني: طريق مكي القيسي بصيغة التحديث وهذه في حدّ ذاتها علّة، وهو ليس من طرق الشاطبي على ما في النشر، ولا ندري أي الزيادات على التيسير تختصّ بهذا الطريق خاصّة أنّ مكي القيسي قرأ لورش على أبي عدي وعلى أبي الطيّب بن غلبون صاحب الإرشاد وعلى أبي بكر بن علي الأذفوي كما في التبصرة، وطريقته في كتابه التبصرة ألاّ يعزُوَ الوجه إلى واحد أو إلى بعض مشايخه الثلاثة، وبالتالي فلا ندري أي الزيادات على التيسير التي قرأها مكي القيسي على أبي عدي، وحينئذ لا يمكننا حصر تلك الزيادات من طريق مكي القيسي من جهة. إضافة إلى ذلك فقد أهمل الشاطبي الكثير من الأوجه التي رواها مكي القيسي في كتابه التبصرة من غير خلاف عنه كالتقليل في ها {طه} مع أنّ الشاطبيّ لم يذكر إلاّ وجه الإمالة فيها، فلو كان كتاب التبصرة لمكي القيسي من طرق الشاطبية فلماذا أهمل الشاطبيّ وجه التقليل في هاء {طه}، اللهمّ إلاّ إذا وُجد طريق آخر لمكي القيسي خارج من طريق كتاب التبصرة فتكون جهالة الطريق آكدة.
الثالث: طريق الطرسوسي عن أبي عدي عن بن سيف: قال ابن الجزري: الثانية: طريق الطرسوسي من طريقي العنوان والمجتبى قرأ بها أبو طاهر بن خلف على أبي القاسم عبد الجبار بن أحمد الطرسوسي. أقول: وليس هو من طرق الشاطبية على ما في النشر ولا ندري أي الزيادات على التيسير تختصّ بهذا الطريق، فيبقى المضمون مجهولاً وإن اتضح الطريق.
فنخلص مما سبق أنّ طريق الشاطبيّ من النشر هو من قراءة الداني على ابن خاقان. وأمّا زيادات القصيد فهي وإن كانت معلومة الطريق والإسناد على ما نقله السخاوي في فتح الوصيد إلاّ أنّ مضمون تلك الزيادات ببقى مجهولاً لعدم إمكان عزوها إلى مصادرها الأصلية جزئية جزئية.
وبهذا يتضح ولله الحمد لماذا عجز المحققون من أهل الأداء على حصر طرق ومصادر الشاطبية وعزو زيادات القصيد إلى مصادرها جزئية جزيئة، وبالتالي فالأولى لنا أن نأخذ بما قرره إمام الفنّ في مسائله التبريزية من إثبات الأوجه الأربعة من الشاطبية وهي قصر البدل مع الفتح في الذوات، وتوسطه مع التقليل، وطوله مع الوجهين. ولا بدّ من التحفظ من كلّ ما يُحكم عليه أنّه خارج من طرق الشاطبية إذ لا يمكن إثبات ذلك ما دامت الطرق والمصادر غير واضحة.
وما دام الأمر غير واضح فما لنا إلاّ أن نتّبع إمام الفنّ بلا منازع الإمام ابن الجزريّ عليه رحمة الله، نسأل الله تعالى أن يرفعه في الدرجات العلى
أكتفي بما ذكرت وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
¥