قالوا: ونحن إذا تأمّلْنا في المعنى الذي نسْتفيده من الجُمْلة قبْل دخول (كان) عليْها، نجد أنّ مضمونها يَحْتوي على عناصر 3 هي: زيد ـ القيام ـ ونسبة القيام إلى زيْد.
وعندما نراقب المضمون الذي نسْتفيده من نفْس هذه الجُمْلة بعْد دخول (كان) عليْها، فإنّنا لا نجد إلاّ نفْس هذه العناصر الثلاثة ولكنْ بإضافة عُنْصرٍ واحدٍ جديدٍ إليْها، وهو عُنْصر: (الزّمان).
فالجُمْلة قبْل (كان)، كانتْ تعني: أنّ زيْداً متّصفٌ بالقيام. والجُمْلة بَعْد (كان) صارتْ تعْني: أنّ زيْداً قد اتّصف بالقيام في الزّمن الماضي.
فالشيء الزّائد هو عنصر (الزّمان) فقط وفقط ..
وهذا يَعْني: أنّ (كان) التي هي فعْلٌ من الأفعال قد انحصرتْ وظيفتها في إفادة معنى (الزّمان)، وأنّها لمْ تدلّ على أيّ حدثٍ زائدٍ، وإلاّ كُنّا رأيْناه في الجُمْلة التي دخلتْ (كان) عليْها ..
هذا حاصل الوجْه الذي ذكره القوْم، وهو الوجْه الذي كان الأخ أحمد الحسن قد أشار إليْه.
وهنا نأتي إلى الإشكال الذي وجّهه ابن النّاظم إلى هذا الوجْه، وتوضيحه:
أنّه لو كان ما ذكرتموه صحيحاً، وأنّ (كان) وأخواتها تتجرّد عن الدّلالة على الحدث، وتبقى له الدّلالة على الزّمان فقط، لكان عليْكُمْ أنْ تَلْتزموا بما يلي:
وهو أنّه لا يُوجَد فرْقٌ بين جُمْلة (كان زيْدٌ قائماً)، وبين جُمْلة (صار زيْدٌ قائماً)؛ وكذلك، لا ينبغي أيْضاً أنْ يكون هناك فرْقٌ من ناحية المعنى بين قوْلنا: (أصْبح زيْدٌ متألّماً)، وبين قوْلنا: (أمسى زيْدٌ متألّماً). فإنّنا إذا قُلْنا إنّ (كان) فعْل ناقصٌ مجرَّدٌ عن الدّلالة على الحدث، فهذا يَعْني أنّها تدلّ على الزّمان الماضي فقط، وإذا قُلْنا: إنّ (صار) فعْلٌ ناقصٌ مجرَّدٌ عن الدّلالة على الحدث، فهذا أيْضاً يعْني: أنّها تدلّ على الزّمان الماضي فقط، فتُصْبح (كان) مرادفةً ل (صار)، ولا تستطيعون، ولا يستطيع أحدٌ أنْ يَلْتزم به .. لأنّ الجميع يَشْعر بوجود فرْقٍ بين الجُمْلتيْن المذكورتيْن من حيث المعنى، وهذا الفرْق، لا نستطيع أنْ نطّلعَ عليْه إلاّ إذا قُلْنا بأنّ هذه الأفعال بقيتْ لها الدّلالة على الحدث، وأنّها لمْ تُحْرَمْ منها ..
والنتيجة: أنّه لا يُمْكننا أنْ نفسّر (التماميّة) بعدم التجرّد عن الدّلالة على الحدث، ولا أنْ نفسّر (النّقْصان) بالتجرّد عن هذه الدّلالة .. بل لا بدّ لنا من التفتيش عن تفْسيرٍ آخر أكثر مقْبوليّةً، وهو ليس إلاّ الوجْه الأوّل الذي نقلْناه عن ابن النّاظم، وأشار إليْه الأخ أبو بشْر في وجْهيْه الأوّل والثاني معاً ..
وآخر دعوانا أن الحمْد لله ربّ العالمين ..
والسلام عليْكم ورحمة الله
وأمّا عدم الاكتفاء بالمرفوع .. فيتبع بإذن الله تعالى ..