القاعدة العامة في كسر وفتح همزة " إن " هي: إذا صح أن يُصاغ من إنّ واسمها وخبرها مصدر يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجروراً، فإن همزة "إن " تكون مفتوحة، أما إذا لم يَجُزْ تحويلُها هي واسمها وخبرها إلى مصدر، فإن همزتها تكون مكسورة، فالمفتوحة تكون أبداً بمعنى المصدر، والمكسورة تكون بمعنى الاستئناف وما جرى مجراه.
ومن هنا نقول: إن السبب في وجوب كسر همزة " إن " وعدم فتحها بعد القول؛ لأنه حكاية عمَّا يستأنف الإخبار به، فإذا كان الكلام بعد فعل (القول) أو مشتقاته يحكي أي يروي نَصَّ المَقُول بلفظه، وَجَبَ كسْر همزة (إنّ)، نحو: قوله تعالى: (قال إني عبد الله).وقوله: تعالى: (قال إنه يقول إنها بقرةٌ صفراء).
فتعبير (إنه يقول) يعني أنّ هذا نص كلام نبينا موسى عليه السلام، و (إنها بقرة صفراء) نص كلام ربِّه تعالى.
قال الشاعر:
تُعَيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدُنا ... فقلت لها: إنّ الكرامَ قليلُ
ولذلك نعلم أنه يتعين كسر همزة " إن" إذا اتصل خبرها بلام الابتداء، ولو سبقها فعل من أخوات ظن وذلك لوقوعه موقع المبتدأ،، أي " جاءت بعد فعل قلبي علق باللام "نحو: "علمت إن أخاك لمجتهد ".
ومنه قوله تعالى: {ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون}
وقوله تعالى: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون}.
وقوله تعالى: {والله يعلم إنهم لكاذبون}.
ومنه قول الشاعر:
ألم تر إني وابن أسود ليلة لنسري إلى نارين يعلو سناها
فنلاحظ كسر همزة " إن " في الشواهد السابقة؛ لأن اللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل عن العمل، فالفعل علم في الآيات السابقة لم يعمل في إن ومعموليها لاتصال خبرها بلام الابتداء، فـ إن ومعموليها في هذا الموضع لم تؤول بمصدر كما هو الحال عند فتح همزتها، فنعرب " إنهم لمحضرون " جملة في محل نصب سدت مسد الخبر.
• وما جعلني أميل لهذا السبب أمران:
الأول: ما نراه من فتح همزة " إن " إذا
أ- كان (القول) بمعنى الظن، نحو: (أتقولين أنه كريم) أي: أتظنين ذلك؟
2 - كان قولا، ولكن لم يُرِدِ المتكلمُ حكايةَ مفعولها، نحو: " قال المعلم أني موافق على مقترحات الطلا ب ".
بخلاف لو قلنا: " قال المعلم: إني موافق على مقترحات الطلاب ".
ففي الجملة الأولى لم يرد فيها الحكاية، أمّا في الثانية فقد أراد الحكاية، فالمعنى أن هذا هو نص كلامه، أي: هو موافق على مقترحات الطلاب.
ثانيا: لايحكى بالقول إلاجملة فعلية كانت أو اسمية ,أو المفرد المؤدى معنى الجملة، نحو: " قلت شعرا جيدا " أو اللفظة المفردة نحو: " قلت لفظة ".
ولذا كسرت همزة " إن " بعد فعل القول؛ لأن (إنّ) ومعموليها فى تأويل الجملة.
أما غير القول فيجب فتح الهمزة بعده؛ لأنّها ومعموليها فى تأويل المصدر نحو (علمت أن زيداً فاضل) بمعنى (علمت فضل) فهذه ليست جملة في المحل ولكنها هي مقدرة بمصدر،
ونحن نعرف في باب (إنَّ وأخواتها) أنه إذا كانت مكسورة الهمزة فهي تقوم مقام الجمل وإذا كانت مفتوحة الهمزة فهي تقوم مقام المفردات دائم، ولذلك تكسر همزة إن في مقام الجمل وابن مالك يقول:
فاكسر في الابتدا وفي بدء صلة ... وحيث إن ليمين المكملة
أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حال كزرته وإني ذو أمل
وكسروا من بعد فعل ٍ علّقا ... باللام كاعلم إنّه لذو تقى
وإن كنت لاأخفيك أختي الفاضلة أن هناك من قال بفتح همزة " إن " بعد القول، حيث وجدت في القاموس المحيط للفيروزبادي مانصه:
(وتُكْسَرُ إنَّ إذا كانَ مَبْدوءًا بها، لَفْظًا أو مَعْنًى، نَحْو: إنَّ زَيدًا قائِمٌ، وبَعْدَ أَلاَ التَّنْبِيهِيَّةِ: أَلاَ إنَّ زَيدًا قائِمٌ، وصِلَةً للاسْمِ المَوْصولِ: {وآتَيْنَاهُ من الكُنُوزِ ما إنَّ مفاتِحَهُ} وجَوابَ قَسَمٍ، سواءٌ كانَ في اسمها أو خَبَرِها اللاَّمُ أو لَمْ يَكُنْ، ومَحْكِيَّةً بالقَوْلِ في لُغَةِ من لا يَفْتَحُها: {قال الله: إنِّي مُنْزِلُها عَلَيْكُمْ}، وبعدَ واوِ الحال: جاءَ زَيدٌ وإنَّ يَدَهُ على رأسِه، وموضِعَ خَبَرِ اسْمِ عَيْنٍ: زَيدٌ إنه ذاهِبٌ، خِلافًا للفَرَّاءِ، وقَبْلَ لامٍ مُعَلِّقَةٍ: {والله يَعْلَمُ إنَّكَ لرَسولُهُ}، وبَعْدَ حَيثُ: اجْلِسْ حيثُ إنَّ زَيدًا جالِسٌ. وإذا لَزِمَ التَّأْويلُ بمَصْدَرٍ، فُتِحَتْ، وذلك بَعْدَ لَوْ: لَوْ أنَّكَ قائِمٌ، لَقُمْتُ. والمَفْتُوحَةُ فَرْعٌ عن المَكْسُورَةِ، ... اهـ
فالظَّاهر من كلامه أنَّه يصحُّ الوجه الآخر عند "مَنْ يَفْتَحُها"، وهم من يُجرون القول مجرى الظنّ فى نصب المفعولين مطلقاً ".
ومع ذلك فأنا أرى الصواب كسر همزة (إن) عند حكاية القول، ولا تفتح إلاَّ بتضمين (قال) معنى العلم، أو تكون غير محكية، أي: لم يرد فيها الحكاية
خاصة وأن أكثر آي القرآن - إن لم تكن كلها -تأتي " إنَّ " بعد القول مكسورة
وإني لذو أمل ألاَّ أكون حدت عن سؤالك وشطحت بعيدا عن مرادك، بارك الله فيك وزادك علما.
¥