أي: قول الحق حقيق علىَّ، فقلب اللفظ فصار: أنا حقيق علَى قول الحقِّ.
والثالث: أن يُضمَّن " حَقيق " معنى حريص، كما ضُمِّن " هَيَّجني " معنى " ذكَّرني "في بيت الكتاب.
يعني بالكتاب: كتاب سيبويه، والبيت للنابغة الذبياني، وهو من البسيط:
إذا تغنَّى الحمامُ الوُرْقُ هَيَّجَني * ولو تسَّليتُ عنها أمّ عَمَّارِ
ورُوي: ولو تَغَرَّبتُ عنها أمّ عَمَّارِ
والرابع: وهو الأوجه الأدخل في نكت القرآن: أن يغرق موسى - عليه السلام - في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام، لا سيما وقد رُويَ أنَّ عدوَّ الله فرعون قال له، لمَّا قال: {إنَّي رَسُولٌ مِن رَبِّ الْعالَمينَ}، كذبتَ، فيقول: أنا حقيق عليَّ قول الحق.
أي: واجب علىَّ قول الحق أن أكون أنا قائله، والقائم به، ولا يرضى إلاَّ بمثلي ناطقًا به.
قال أبو حيَّان: ولا يصحُّ هذا الوجه، إلاَّ إن عنى أنه يكون {علَى أَن لا أقُولَ} صفة له، كما تقول: أنا على قول الحقّ، أي طريقي وعادتي قول الحق.
وقال ابن مقسم، وهو الوجه السادس: " حَقيقٌ " من نعت الـ" رسول "، أي: " رسولٌ حقيقٌ من ربّ العالمين، أُرسِلتُ على أن لا أقول على الله إلا الحق"، وهذا معنى صحيح واضح، وقد غفل أكثر المفسرين من أرباب اللغة عن تعليق " علَى " بـ" رسول "، ولم يخطر لهم تعليقه إلا بقوله: " حقِيقٌ ".
قال أبو حيَّان: وكلامه فيه تناقض في الظاهر، لأنه قدّر أولاً العامل في " علَى ": أُرْسِلْتُ.
وقال أخيرًا: إنهم غفلوا عن تعليق " علَى " بـ" رسولٌ ".
فأما هذا الأخير، فلا يجوز على مذهب البصريين، لأنَّ " رسولٌ " قد وُصِف قبل أن يأخذ معموله، وذلك لا يجوز.
وأما تعليقه بـ" أُرسِلتُ " مقدَّرًا، لدلالة لفظ " رسولٌ " عليه، فهو تقدير سائغ، وتناول كلام ابن مقسم أخيرًا في قوله: تعليق " علَى " بـ" رسول "، أنه لمَّا كان دالاًّ عليه صحَّ نسبة التعلُّق له ".
وأخيرًا، قال أبو شامة، في " إبراز المعاني ":
(وكل هذه وجوه متعسفة، وليس المعنَى إلا على ما ذكرته)
يعني: الأوجه الأربعة التي ذكرها الزمخشري.
ويعني بالمعنى، وجه ابن مقسم.
الإعراب:
قال ابن آجرُّوم:
{حقيق "}: خبر ثان لـ " إنِّي " في الآية السابقة، وهو بمعنى حريص، والمصدر المؤول مجرور بـ {علَى} " متعلق بـ {حقيق}.
وقال محي الدين:
{حقيق}: خبر لمبتدأ محذوف، أي: أنا حقيق
والجملة استئنافية
{علَى أن لا أقول}: جار ومجرور متعلقان بـ {حقيقٌ}، لأنه " فعيل " بمعنى فاعل أو مفعول.
هل {حقيق} بمعنى فاعل أو مفعول؟
جاء في " الدرِّ المصون ":
(الظاهر أنه يحتمل الأمرين مطلقا، أعني على قراءة نافع، وقراءة غيره.
وقال الواحديُّ: إنه مع قراءة نافع، محتمل للأمرين، ومع قراءة العامة بمعنى مفعول.
فإنه قال: و" حقيق " - على قراءة نافع – يجوز أن يكون بمعنى فاعل، تقول العرب: حقَّ عليَّ أن أفعلَ كذا.
وقال الليث: حقَّ الشيءُ، معناه: وَجَب، ويحقُّ عليك أن تَفعله، وحقيقٌ عليَّ أن أفعلَه، فهذا بمعنى فاعل.
ثمَّ قال: و" حقيقٌ " بمعنى مفعول، وعلى هذا تقول: فلانٌ مَحقوقٌ عليه أن يفعل، قال الأعشى:
لَمَحقوقةٌ أن تَسْتَجيبي لِصَوْتهِ * وأنْ تَعلَمي أنَّ الْمُعانَ مُوفَّقُ
وقال جرير:
قلْ لِلأخيطِلِ إذْ جدَّ الجراء بنا * قَصِّرْ فإنكَ بالتقصيرِ مَحقوقُ
و" حقيق " - على قراءة العامة – بمعنى محقوق) انتهى
بقيَ النظر في رسم " أن " مع " لا "
" أنْ " مفتوحة الهمزة، ساكنة النون، مع " لا " النافية
هذا الموضع مقطوع باتِّفاق العلماء، أي: تفصل " أن " عن " لا " رسمًا، وهو ضمن عشرة مواضع في القرآن العظيم.
قال الإمام الشاطبيُّ في " عقيلة أتراب القصائد ":
أن لا يقولوا، اقْطَعوا، أن لا أقولَ، وأن * لا مَلجأَ انْ لا إلَهَ هُودٍ ابْتُدِرا
والله أعلم
مع عاطر التحايا
ـ[سمط اللآلئ]ــــــــ[18 - 03 - 2005, 02:22 م]ـ
الأستاذ النابغة / حازم
أسأل الله تعالى أن يبارك في علمكم، وينفع بكم دينه وكتابه.
وجزاكم الله خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته