عند "قاضٍ" .. يلتقي النحو والصرف والأصوات والعروض و ...
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[03 - 04 - 2005, 10:47 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
عند "قاضٍ" .. يلتقي النحو والصرف والأصوات والعروض و ...
إذا تصفحنا كتب الإملاء في مبحث "ما يحذف من الكلمات" – لانجد تلك الحالة المطردة التي تحذف فيها ياء المنقوص النكرة غير المضاف وغير المعرف بـ"أل" المرفوع و المجرور. يحدث هذا رغم ذكرها- هذه الكتب- حالات حذف الميم و النون المدغمتين رغم وجود رائحتيهما الممثلة في صفة الغنة. ورغم أن الأستاذ" عبدالعليم إبراهيم " ذكر في كتابه حذف الياء من المنقوص المعرف بـ"أل" الموقوف عليه رغم كون هذه الحالة حالة خاصة بفواصل القرآن الكريم ولها دلالاتها البلاغية الخاصة المتفقة مع جو الآية التي تذيلها.
ورغم أن هذا الحذف تكمن فيه حالة ثراء علميّ؛ مما يحتم إيراد هذا المبحث في كتب الإملاء حتى لا يبقى مبحث " ما يحذف من الكلمات " ناقصا وغير حاوٍ كل الحالات.
أقول: إن مبحث حذف ياء المنقوص النكرة يحتوي ثراء علميا؛ كيف؟ هذا ما سيتضح- إن شاء الله تعالى- خلال رحلتنا التفسيرية التوضيحية، والتي يبدؤها النحو بتقديمه تعريف الاسم المنقوص على النحو التالي" الاسم المنقوص هو كل اسم معرب آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها".
ويتحقق ذلك في صيغ كثيرة منها [(فاعل)، و (مفتعِل، مستفعِل ... وغير ذلك من صيغ أسماء الفاعلين غير الثلاثية)، و (فواعِل، ومفاعِل ... إلى آخر صيغ الجمع المشابهة)، و غير ذلك من الصيغ المشابهة كمصدر تفاعَل يائي اللام].
ويدخل "الصرف" – الذي يمدنا بالمقدمات النحوية المشهورة- في مبحث "علامات الاسم" حيث يذكر التنوين من بينها، ثم يقسمه أنواعا يهمنا منها" تنوين حذف الحرف" موضوع بحثنا.
ويدخل" النحو" من جديد بمبحث الإعراب وألقابه وأنواعه حيث يخبرنا أن الاسم المنقوص يعرب إعرابا تقديريا في حالتي الرفع والجر. لماذا؟ للثقل. ما الثقل؟ سيتضح لاحقا-إن شاء الله تعالى.
ويشترك "الصرف" من جديد بمبحث "الإعلال والإبدال" حالة الإعلال بالحذف من خلال الأمثلة التالية [(ومن فوقها غواشٍ)، و (حكم قاضٍ بالعدل)، و (العلاقات النحوية معانٍ بلاغية)، و (إن ابن معطٍ ممن غمطهم التاريخ النحوي حقهم العلمي لحساب ابن مالك)، و (إن تعاطيك المشاكل بالصخب تعاطٍ خاطىء)].
إذا قرأنا هذه الأمثلة ولاحظنا كلمات موضوعنا (غواشٍ – قاضٍ- معانٍ – معطٍ – تعاطٍ) وجدناها محذوفة الياء ومنونة تنوين حذف حرف، والسؤال الذي تجب إثارته الآن هو: لم حذفت "الياء" من هذه الكلمات وأمثالها؟
وحتى نعرف الجواب نعرض الخطوات الآتية:
1 – نبدأ من "العروض" الذي يمدنا بقاعدة الخط العروضي التي تنص على كتابة كل ما هو منطوق؛ ووفقها يكون رسم الكلمات السابقة قبل الحذف كالتالي [غواشِيُنْ- قاضِيُنْ – معانِيُنْ – معطِيُنْ – تعاطِيُنْ].
2 – نعرج على " الأصوات " الذي يذكر لنا قانون التيسير اللغوي الذي يشير إلى محاولة جهاز النطق التخفيف وذلك ببذل أقل جهد عضلي ممكن؛ وذلك بتقليل التباين بين المتواليات منعا للثقل. وهنا نجد الضمة على الياء -أي تتلو الضمة الياء في النطق- وهذا يكلف جهاز النطق ثقلا يتمثل في وجوب اتخاذ أعضاء النطق وضعين متباينين متتالين.
3 – ما زلنا مع " الأصوات" الذي يوجب حدوث انسجام بين المتخالفين للتيسير؛ فنجده في هذه الحالة يحذف الضمة من على الياء – أو التالية الياء – فتصير الكلمات بعد الحذف مرسومة بالرسم التالي [غواشِيْنْ – قاضِيْنْ – معانِيْنْ – معطِيْنْ – تعاطِيْنْ].
4 – نبقى مع " الأصوات " ونيمم صوب مبحث " المقاطع " لنجد أن المقطع الموجود هنا بعد حذف الضمة هو " ص ح ص ص"، وليست هذه الحالة من حالاته؛ لذا يجب حذف أحد الساكنين لعدم التقائهما على حدهما.
5 – نعود إلى "النحو" حتى نعرف ماذا يجب أن يحذف، فيخبرنا النحو أن " التنوين" حرف معنى لذلك لا يجب حذفه حتى لا يفوت الغرض الذي جئنا به من أجله. كما أنه يخبرنا أن الحرف الأخير إذا كان حرف علة فإنه يكون عرضة للتغيير الكثير.
6 – يتم حذف الياء فيصير الرسم كالتالي [غواشِنْ – قاضِنْ – معانِنْ – معطِنْ – تعاطِنْ].
7 – نعود إلى "الإملاء " الاصطلاحي الموجب رسم التنوين حركةً تلائم حركة الإعراب السابقة لها، ويتم استثناء هذه الحالة مناسبةً للكسرة السابقة – فترسم هذه الكلمات كالتالي [غواشٍ – قاضٍ – معانٍ – معطٍ – تعاطٍ]. وهي الصورة النهائية التي نراها عليها.
وهكذا يطرد تفسير هذه الظاهرة اللغوية مع الكلمات المشابهة. وهكذا أدركنا أهمية الإلمام بمختلف علوم الغة العربية في فهم ظواهرها المختلفة واستيعابها استيعابا يثري ويؤكد أن اللغة العربية تداخلُ علومٍ بدون فهمه يبقى فهمها سطحيا جزئيا.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[04 - 04 - 2005, 06:58 م]ـ
جهد طيب تشكر عليه أيها الفريد
مع التحية والتقدير
¥