والحمد لله، فقد أشرق ضياؤك، وطابت أفياؤك، أسأل الله لك مزيدًا من التوفيق، وأن ينفعنا بعلمك، إنه هو البرُّ الرَّحيم.
وأودُّ أن تأذن لي بكلمة يسيرة، لا أرَى أنك غافل عنها، بل هي لمَن يمرُّ بهذه الزاوية، التي أشرقت بمرورك، والتي حتمًا سيقصدها القرَّاء.
لا شكَّ أنَّ وزن " أفْعِلَة " لا ينطبق على كلمة " أشِحَّة " ومثيلاتها، حركة وسكونًا، – كما تفضَّلت -، ولم يتجاهل علماؤنا الأفذاذ هذا الأمر.
وإنما لكلِّ علم اصطلاح، وقد اصطلح علماء الصرف – وأنتَ أعلم مني بذلك – على ضبط الأسماء والأفعال بميزان الصرف، بطريقة توضِّح حروف الكلمة الأصلية والزائدة، وما اعتراها من تغيير.
فهم عندما يقولون: إنَّ " قال " وزنه " فَعَل "، ذلك ليظهر أنَّ حروف " قال " كلها أصلية، وقد انقلبت الألف فيها عن واو، وبذلك تتميَّز ألف " قال " عن ألف " قائل "، خلافًا لمَن رأى أنَّ " قال " على وزن " فال "
والأمر الثاني، أنهم يريدون أن يوضِّحوا أن عين الفعل " قال "، هي منقلبة عن واو لعلَّة تصريفية، فلا يُستَغرب من وجود الواو في باقي الاشتقاقات لمادة " قال "، فيُعلَم أنَّ كلمة " يقول " والمصدر " القَوْل " ذواتا واو أصلية.
وكذا الأمر في كلمة " أشِحَّة "، لا بدَّ من تعليل أصل الكلمة، وما حدث لها بهذا الوزن، ليُعلم أنَّ مادتها " شحح "، ونعلَم أنَّ " شحيح " ذات ثلاثة حروف أصلية، وياء زائدة.
وكذلك، عندما نَزِن الكلمة على حالتها الأصلية، نستفيد فائدتين:
الأولَى: يتَّضح لنا أصول الكلمة، لأمن اللبس، حال ضياع حرف من الأصول.
الثانية: معرفة أنَّ هذه الكلمة قد حدث لها اعتلال، فنرجع إلى الأصل، فيتبيَّن لنا ما حدث للكلمة.
ثمَّ ألا ترَى – أيها الفاضل – أنَّ باقتفائنا لمذهب الجمهور، تتوطَّد علاقتنا بكتب التراث، من كتب التفسير والفقه وسائر العلوم، فنستطيع فهم ما جاء فيها من تخريج العلماء، وإلاَّ فلن يكون الأمر سهلاً لتمييز ما سُطِّر فيها.
لذلك أرَى أنَّ ما اصطُلِح عليه، يُعتَبر أصلاً، ولا بدَّ أن توزَن الأمور على اصطلاحهم.
ختامًا، لستُ بذي علم في الصَّرف، كما أني لستُ نظيرَك في الحرف، فأرجو أن تتجاهَل ما ذكرتُه، وأن تصرِف عنه الطَّرف.
دمتَ بخير
مع خالص احترامي
ـ[حازم]ــــــــ[01 - 04 - 2005, 08:00 م]ـ
الأخ الفاضل / " محتسب "
بدايةً، أرحِّب بك أجمل ترحيب في منتدى الفصيح، وأسأل الله لك قضاء أطيب الأوقات وأنفعها، بين ربوع لغة القرآن.
" أشِحَّة "
على وزن أفْعِلَة " وهو من أوزان جمع القلَّة.
يأتي من كل اسم رباعي مذكَّر، قبل آخره حرف مدٍّ، سواء كان صحيح اللام، نحو: طَعام أطْعِمَة، عَمُود أعْمِدَة، رَغِيف أرْغِفَة، غُراب أغْرِبَة.
أو معتلَّ اللام، نحو: بِناء أبْنِية، غِطاء أغْطِية، كِساء أكْسِية، خِباء أخْبِية.
أو كانت عَينه ولامه من جنس واحدة " مُضعَّف " – وهو ما أشار إليه الفاضلان، الأخفش والبصري -.
نحو: زِمام أزِمَّة، سَرير أسِرَّة، إمام أئِمَّة، ذَلِيل أذِلَّة، عنان أعِنَّة، عَزيز أعِزَّة، وهكذا
قال سيبويه، في " الكتاب ":
(وقد يكسِّرون المضاعَف على " أفْعِلَة "، نحو: " أشِحَّة "، كما كسَّروه على " أفْعِلاء "، وإنما هذان البناءان للأسماء، يعني " أفْعِلَة وأفْعِلاء "، وكما جاز أفْعِلاء جاز أفْعِلَة، وهي بعد بمنزلتها في البناء، وفي أنَّ آخره حرف تأنيث، كما أنَّ آخر هذا حرف تأنيث، نحو: " أشِحَّة ") انتهى
وجاء في " اللسان "، مادة " ش ج ح ":
(وقد شَحَحْتَ تَشُحُّ وَشَحِحْتَ، بالكسر، ورجل شَحِيحٌ وشَحاحٌ من قومٍ أَشِحَّةٍ، وأَشِحَّاء، وشِحاح‘ قال سيبويه: أَفْعِلَةٌ وأَفْعِلاءُ إِنما يَغْلبانِ على فَعيل اسمًا كأَرْبِعَةٍ وأَرْبِعاء، وأَخْمِسَةٍ وأَخْمِساءَ، ولكنه قد جاء من الصفة هذا ونحوه) انتهى
وقال العلاَّمة / " أبو شامة " في "إبراز المعاني "، وهو يتكلَّم عن كلمة " أئِمَّة ":
(وذلك أنَّ " أئمَّة " جمع إمام، وأصله: " أأممة "، على وزن " مثال وأمثلة "، ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة، فانكسرت وأدغم الميم في الميم) انتهى
وقد نصَّ على هذا الوزن الحملاوي، في " شذا العَرف، في فنِّ الصرف ".
وكذا أيمن عبد الغني، في " الصرف الكافي ".
توضيح وزن " أشِحَّة ":
" أشِحَّة " جمع " شَحِيح "، كما يقال: رَغيف وأرْغِفَة.
وأصلها: أشْحِحَة، ثم نقلت حركةُ الحاءِ الأولَى، وهي الكسرة، إلى الشين قبلَها، فانكسرت الشينُ، وأُدغمت الحاءُ في الحاء.
وأنتَ تعلَم: أنَّ كلمة: شَحيح: على وزن " فَعيل:
فاء الكلمة هو: حرف الشين
وعين الكلمة، هو حرف الحاء الأولَى
ولام الكلمة، هو حرف الحاء الثانية
والياء: حرف زائد فيها، وحروف الزيادة عشرة، مجموعة في قولك: سألتمونيها، بالإضافة إلى التضعيف.
وكلمة " أشْحِحة " على وزن أفْعِلة
الهمزة: حرف زائد
فاء الكلمة، هو حرف الشين
عين الكلمة، هو حرف الحاء الأولَى
ولام الكلمة، هو حرف الحاء الثانية
والتاء المربوطة: حرف زائد فيها.
فصار واضحًا، أنَّ عين الكلمة، هو نفسه لام الكلمة، أي: هما حرفان متماثلان،
ولذلك قلنا: عَينه ولامه من جنس واحدة.
وأخيرًا، قال أبو حيَّان، في " البحر المحيط "، عند قوله تعالى، في سورة الأحزاب: {أشِحَّةً علَيكُم}:
({أَشِحَّةً}: جمع شحيح، وهو البخيل، وهو جمع لا ينقاس، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام: فعلاء، نحو: خَليل وأخِّلاء؛ فالقياس أشِّحاء، وهو مسموع أيضًا) انتهى
والله أعلم
مع عاطر التحايا
¥