فهذا يدل على أن إدخال الألف و الام في "الله" و حذف الهمزة منه و إلزامه هذا البناء إنما هو ليدل على أنه لا يستحق الألوهية في الحقيقة غيره، و خص ببناء لا يشرك فيه سواه، و لا يدعيه أحد.
قال الفيروزآبادي: وأَل فى الله إِذا قلنا: أَصله أَلِلاَه قالوا للغلبة قرّروه بأَنَّ (إِلاه) يطلق على المعبود بالحقّ والباطل، والله مختصّ بالمعبود بالحقّ، فهو كالنَّجم للثُريّا و الكتاب يقصد يقصد به كتاب سيبويه و نحو ذلك.
ورُدّ بأَنه بعد الحذف والنَّقل لم يُطْلق على كلّ إِله، ثمّ غلب على المعبود بالحقّ وقد ينفصل عنه بأَنَّ القائل بهذا أَطلق عليها ذلك؛ تجوّزاً باعتبار ما كان؛ لأَن اللفظة منقولة من أَلِلاَه وأَل فى أَلِلاَه للغلبة فهى فى لفظ الله على هذا مثلُها فى عَلَم منقول من اسمٍ أَل فيه للغلبة ولكن فيه نظر من جهة أَنَّ النَّقل يتعيّن كونُه ممَّا أَلْ فيه للغلبة: لأَنَّ (أَلِلاَه) من أَسماءِ الأَجناس.
فإِن قيل: المحكىُّ عن الخليل - كما ذكر الثَّعلبىّ - أَن غيره تعالى يطلق عليه (إِله) منكَّرا ومضافاً؛ كقوله تعالى: {اجْعَلْ لَّنَآ الهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} قيل: المراد من هذه أَنَّه صار بالغلبة مختصّاً به تعالى.
وقد أَوضح هذا الزمخشرىّ فقال: والإِلاه من أَسماءِ الأَجناسِ؛ كالرّجل: يقع على كلّ معبود بحقّ أَو باطل، ثم غلب على المعبود بالحقِّ وأَمّا الله فمختصّ بالمعبود بالحقّ لم يطلق على غيره. انتهى.
قال: وما اختاره القاضى أَبو بكر بن العربى والسّهيلى: من أَنَّ أَلْ فى الله من نَفْس الكلمة إِذا أُخِذ بظاهره ضعيف؛ إِذ وزنه على هذا فَعَّال، فلا مانع من تنوينه حينئذ.
قلت: و يجاب عنه:
1) أن "ال" في لفظ الجلالة ليست ك "ال" في النجم إذا قصد به الثريا أو "ال" في الكتاب إذا قصد به كتاب سيبويه لأن "ال" إذا حذفت منهم أصبح الباقي نكره (نجم، كتاب) و الله سبحانه أعرف المعارف.
2) و قال بعضهم: أن "ال" في لفظ الجلالة ليست ك "ال" في "الناس" لأنه قد يقال الأناس على الأصل و يجوز أن يكون "الناس" تعريف "ناس" و ليس تعريف "أناس".
و أنشد الزجاجي:
و ناس من سراة بني سليم و ناس من بني سعد بن بكر
3) أن الإله مختص المعبود بحق و سيأتي.
2. أن "ا ل" من أصل الكلمة.
قال الخطابي في معرض احتجاجه أن "ال"في لفظ الجلالة من أصل الكلمة: ألا ترى أنك تقول: يا الله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام.
** قال أبو حيان: وزعم بعضهم أن أل في الله من نفس الكلمة، ووصلت الهمزة لكثرة الاستعمال، وهو اختيار أبي بكر بن العربي والسهيلي، وهو خطأ، لأن وزنه إذ ذاك يكون فعالا [8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftn8)، وامتناع تنوينه لا موجب له، فدل على أن أل حرف داخل على الكلمة سقط لأجلها التنوين.
قال السمين الحلبي: وأما الألف واللام فيترتب الكلام فيها على كونه مشتقا أو غير مشتق، فإن قيل بالأول كانت في الأصل معرفة، وإن قيل بالثاني كانت زائدة وقد حذف الألف واللام من الجلالة في قولهم:" لاه أبوك "، والأصل: لله أبوك كما تقدم.
3. أن "ال" لغير التعريف:
و أدلتهم:
جواز دخول حرف النداء و هو لا يدخل على المعرف ب"ال".
و ذكر بعضهم أنها زائدة لغير التعريف:
قال الفيروزآبادى في شرح مذهب من قال أن أصل لفظ الجلالة "لاه": ووزنه على ذلك فَعَل، أَو فَعِل، قلبت الواو والياءُ أَلِفاً، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها؛ وأُدخلت أَلْ، وأُدغمت اللاَّم فى اللاَّم، ولزمت أَل، وهى زائدة؛ إِذ لم تفد معرفةً؛ فتعرُّفُه بالعلميّة وشذّ حذفها فى قولهم: لاهِ أَبوك، أَى لله؛ كما حذفت الأَلف فى قوله:
*أَقْبلَ سيلٌ جاءَ مِنْ عِنْدِ الله*
4. اعتبار "ال" للتعريف.
و أجابوا عن حذفها في قولهم "لاه أبوك" بقولين:
أ – قالوا الألف و اللام لازمة لا تحذف بحال وحكموا بالشذوذ على ما سمع من قولهم"لاه ابوك"
ب - لزوم الحذف والتعويض بحرف التعريف مع وجوب الإِدغام مِن خواصّ هذا الاسم؛ ولكونه أَعرف المعارف لا يمكن فى مدلوله الشركةُ بوجه فيستغنى عن التعريف اللاَّمى جعلت لمحض التَّعويض، لتأكيد الاختصاص.
.................................................................
[1] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref1) قلت: و هناك مزيد تفصيل لهذا الخلاف في كتاب الزجاجي "اشتقاق أسماء الله" لمن أراد الإطلاع عليه.
[2] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref2) تنبيه:"إله" و "إلاه" واحد و الألف التي تفرق بينهما إنما هي اختلاف في الخط فقط فالبعض يثبتها خطا و البعض الأخر يحذفها و قد اتفقوا على حذف هذه الألف خطا من لفظ الجلالة "الله" فلا يقال "اللاه" و سيأتي بيان ذلك و سببه و شذ حذف هذه الألف في البيت المذكور فيما سبق:
أقبل سيل جاء من عند الله.
[3] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref3) هذا النقل عن الأزهري من (تهذيب اللغة) و في كتاب بن منظور: إلاه بدلا من إله.
[4] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref4) القول الأول أنه مشتق من لاه و الثاني أنه مشتق من إلاه.
[5] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref5) قال بعض أهل اللغة: لأنه مألوه أي معبود كقولنا إمام فعال بمعنى مفعول لأنه مؤتم به.
[6] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref6) ما ذكره الزمخشري في الكشاف سبق ذكره في الفقرة السابقة.
[7] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref7) أي الهمزة.
[8] ( http://www.alfaseeh.com/vb/#_ftnref8) بتشديد العين.
المصدر: موقع التفسير الجامع والأبحاث الشرعية
ومع ذلك الله أعلم بالصواب
¥