تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذهب بعض النحاة إلى أن من الأسباب التي تدفعهم إلى عدم الاحتجاج بالحديث الشريف في المسائل النحوية وقوع الخطأ واللحن فيه،

وأن معظم رواته من الأعاجم، وهذه الدعوى ينبغي ألا تكون مانعًا للاحتجاج النحوي بالحديث للأمور التالية:

أ - لقد بذل العلماء المسلمون جهودًا عظيمة في سبيل حفظ الحديث الشريف،

وبحثوا في ما يتعلق به رِوَايةً وَدِرَايةً، وخطوا خطوات جليلة كفلت سلامةَ السُّنَّةِ من العَبَث.

ولعل من أهمها التزام الإسناد، ودراسةُ حياة الرواة وتاريخهم، وهكذا نشأ علم الجَرْحِ والتعديل،

الذي وضع أسسه كبار الصحابة والتابعين، وألفت في الرواة مصنفات ضخمة، حتى إنه لم يعد يختلط الكَذَّابون والضعفاء بالعدول الثقات،

وأصبح من السهل جدا أن يميزوا بين الخبيث والطَّيِّب في كل عصر،

فقدموا للحضارة الإنسانية أعظمَ إنتاج في هذا المضمار، يفخر به المسلمون أبدَ الدهر.

يقول المستشرق الألماني (شبرنجر) في تصدير كتاب (الإصابة لابن حجر):

((لم تكن فيما مضى أمةٌ من الأمم السالفة، كما أنه لا توجد الآن أمة من الأمم المعاصرة،

أتت في علم أسماء الرجال بمثل ما جاء به المسلمون في هذا العلم العظيم الذي يتناول أحوال خمسمئة ألف رجل وشؤونهم)).

ب- القول بأن أكثر رواة الحديث كانوا غير عرب لا ينهض حجة لرفض الاحتجاج بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -

في المسائل النحوية، وذلك للأسباب التالية:

الأول: إن ما وقع من لحن أو خطأ أو تصحيف في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - قليل نادر،

بَيَّنَهُ علماء الحديث كما أسلفت فيما صنَّفوا من مؤلفات.

الثاني: الزعم بكون بعض رواة الحديث من غير العرب قد أدى إلى وقوع اللحن فيه يمكن الرد عليه بأن اللغة العربية مُلْكٌ لمن يتعلمها فيتقنها،

فإن أتقنها فليس هناك فرق بينه وبين العربي سوى النسب، والنسب لا أثر له في اللسان.

كذلك فإن هؤلاء المسلمين الأعاجم من رواة الحديث كانوا أمراء المؤمنين في الحديث، وقد وُصِفُوا بالضبط والدقة،

وحملوا الحديث على أكمل وجه، وأدَّوه كما حملوه.

فهذا هو الإمام البخاري محمد بن إسماعيل - رحمه الله - (ت 256هـ) أثنى عليه العلماء المسلمون ثنًاء عظيمًا،

قال عنه أحمد بن حنبل - رحمه الله -: ((ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل)

وقال عنه ابن خزيمة: ((ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من محمد بن إسماعيل)

وقد أوتي - رحمه الله - حافظة عجيبة قلما نجد نظيرًا لها عند العلماء،

ومن الشواهد على ذلك أنه قال: ((كتبت عن ألف شيخ وأكثرَ ما عندي حديثٌ إلا أذكر إسناده)).

الثالث: إن رواة اللغة أضافوا إلى الشواهد المنسوبة إلى العرب أشياء كثيرة، فهذا أبو الطيب اللغوي في كتابه (مراتب النحويين)

يتحدث عن خلف الأحمر فيقول: ((كان يُضْرَبُ به المثل في عمل الشعر، فهو بذلك وَضَّاعٌ غير موثوق، لا يُؤْتَمنُ)).

ومع وجود هؤلاء الرواة الوضّاعين فإن علماء النحو استشهدوا بكلام العرب، وهذا هو المنهج السليم

لأن وجود أمثال هؤلاء النفر لا يقدح في الكثرة الكاثرة من علماء اللغة الثقات

كالأصمعي وأبي عمرو بن العلاء وأبي زيد الأنصاري وغيرهم كثير.

وعلى هذا فإن وجود بعض الوضّاعين في رواية الحديث - كذلك - لا يقدحُ في الاستدلال به في مسائل النحو،

علما بأن العلماء - كما أسلفت - قد ميَّزوا الحديث الصحيح من الموضوع، وألفوا في ذلك مصنفات كثيرة.

ـ[سلمان بن أبي بكر]ــــــــ[30 - 11 - 2010, 11:08 م]ـ

ثالثا: دعوى تدوين الحديث بعد فساد اللغة

زعم بعض النحاة أن الحديث النبوي لا يُحْتَجُّ به لتدوينه بعد فساد اللغة، وهذا الزعم مردود - أيضا - للأسباب التالية:

1 - لقد بُدِئَ بتدوين الحديث الشريف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والأدلة على ذلك كثيرة،

منها ما رواه الدارمي في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال:

((كنت أكتب كل شيء أسمعُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظَهُ،

فنهتني قريشٌ وقالُوا: تكتبُ كلَ شيءٍ سمعتَهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،

ورسولُ الله بشرٌ يتكلمُ في الغضبِ والرضا،

فأمسكتُ عن الكتابة فذكرتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأومأَ بإصبعه إلى فيه، وقال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير