تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن لم تُجد السلطة نفعاً التجأ إلى الله تعالى (إله الناس) " وأفوض أمري إلى الله

ـ والترتيب في الآيات في السورة هو على سياق هذا الترتيب الطبيعي، وكحاجة الإنسان للتعامل في الحياة. وهو واضح في مراحل حياة الإنسان ومعاشهم، فالأجنة هيالبداية ويخرجون ليواجهوا المربي الذي يقدم له ما يحتاجه من تربية ورعاية، فإذا كبروا احتاجوا إلى المجتمع وما ينظم علاقتهم به، ثم يأتي سن التكليف حيث يحاسبه الإله

والمجتمعات عموما بين الربوبية والملك، فكل مجتمع يحتاج صغاره إلى المربي ثم إلى السلطة، أما الألوهية فتتأخر وقد تخفى على بعض الناس وتحيطها الشكوك والأوهام .. والإلحاد وتحتاج إلى تذكير

ـ وقد تدرّجت الآيات من الكثرة إلى القلّة

فالربّ هو المرشد الموجّه وقد يكون في المجتمع الواحد العديد من المرشدين والمربّين

لكن لكل دولة أو مجتمع ملك واحد

والدنيا فيها ملوك كثر ولكن إلهها وإلههم واحد

فانتقل من الكثرة للقلة في الصفات من حيث دلالة الكلمة بالعدد (الرب كثير، الملك أقلّ وأما الإله فهو واحد).

ـ وردت كلمة الناس 3 مرات في السورة وكل منها تعني مجموعة من الناس مختلفة عن غيرها نوضحها فيما يلي:

كلمة الناس تطلق على مجموعة قليلة من الناس أو واحد من الناس أو كل الناس.

فالربّ هو مُرشد مجموعة من الناس قد تكون قليلة أو كثيرة

أما الملك فناسه أكثر من ناس المربي

وأما الإله فهو إله كل الناس وناسه الأكثر حتماً.

ولو قالت الآيات: أعوذ برب الناس وملكهم وإلههم لعاد المعنى كله إلى المجموعة الأولى من الناس .. ناس الرب .. دون أن يشمل غيرهم

لذلك لا يغني الضمير هنا، بل لا بد من تكرار المضاف إليه مذكورا صريحا، لأن لكل معنى مختلف

فالتدرج في الصفات بدأ من الكثرة إلى القلة، أما في المضاف إليه (الناس) فبالعكس من القلة إلى الكثرة، فناس المربي أقل، وناس الملك أكثر، وناس الإله هم الأكثر

ـ ولا يجوز أن يأتي بحرف العطف فيقول برب الناس وملك الناس وإله الناس

جاءت (قل أعوذ برب الناس* ملك الناس* إله الناس) حتى لا يُظنّ أنهم ذوات مختلفة، بل هي ذات واحدة، فهو سبحانه المربي وهو الملك وهو الإله الواحد. وحتى لا يُظن أن المقصود أكثر من واحد، بل هو واحد سبحانه، فمن أراد الرب يقصد رب الناس ومن أراد الملِك يقصد ملك الناس ومن أراد الإله فلا إله إلا الله

من شر الوسواس الخنّاس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنّة والناس

من شر الوسواس الخنّاس: جاءت الآية باستخدام (من شر الوسواس) وليس (من الوسواس) كما في الاستعاذة من الشيطان: فاستعذ بالله من الشيطانِ الرجيم، لأنه هنا لم يحدد الشيطان، بل قال: من الجِنّة والناس، فجعل الوسواس قسمين: من الجِنّة أو من الناس

فالجِنّة فيهم صالحون وفيهم قاسطون لذا لا يصحّ الاستعاذة من الجِنّة عموماً

وكذلك الناس نحن نستعيذ من الظالمين والأشرار من الناس وليس من الناس كلهم جميعاً ولذا جاءت الآية بتحديد الاستعاذة من الشر (من شر الوسواس الخنّاس)، وأما الشيطان فشرّ كله لذلك جاءت الآية بالاستعاذة منها، أما البشر فلا، ورد في الأثر: (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)

الوسواس: كلمة وسواس على صيغة (فعلال)، وهي صيغة تفيد التكرار لأنه لا ينفك عن الوسوسة

ويسمى في اللغة (تكرار المقطع لتكرار الحَدَث) حيث تكرر فيها المقطع (وس) كما في كلمة كبكب (تكرار كب) وحصحص (تكرار حص) للدلالة على تكرار الحدث.

وصيغة (فعلال) تفيد المبالغة أيضاً

إذن كلمة وسواس تفيد المبالغة والتكرار.

وقد جاء التعبير في الآية بكلمة الوسواس وليس الموسوس، لأن الموسوس لا تفيد المبالغة، ولأنها تقال للشخص الذي تعتريه الوسوسة دون أن تفيد المبالغة

وجاءت الاستعاذة بـ (شر الوسواس) وليس شر الوسوسة فقط للدلالة على أن الاستعاذة إنما تكون من كل شرور الوسواس سواء كانت وسوسة أو لم تكن.

الخنّاس: صفة من (الخنوس) وهو الاختفاء، وهي أيضا صيغة مبالغة، وتدل على أن الخنوس صار نوعا من حرفة يداوم عليها

عندما يكون للمرء عدو ففإنه يحرص على أن يعرف مقدار عدائه ومدى قوته والأساليب التي تمكنه من التغلب عليه أو النجاة منه، وقد أخبرنا الله تعالى عن عدونا أن قصارى ما نستطيع فعله هو أن نخنس وسوسته، لأن الشيطان باق إلى يوم الدين ولا يمكننا قتله أو التخلص منهبطريقة أخرى غير الاستعاذة بالله منه فيخنس الشيطان، أو أن نغفل وننسى فنقع في الوسوسة.

كما جاء في الحديث: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إن ذكر الله خنس، وإن نسي وسوس)

الذي يوسوس في صدور الناس

ذُكر في الآية مكان الوسوسة وهو الصدور، ولم يقل القلوب لأن الصدور أوسع، وهي كالمداخل للقلب، فمنها تدخل الواردات إلى القلب، والشيطان يملأ الصدر بالوسوسة ومنه تدخل إلى القلب دون أن تترك خلفها ممرا نظيفا يمكن أن تدخله نفحات الإيمان، بل يملأ الساحة بالوساوس قدر استطاعته مغلقا الطريق إلى القلب.

من الجِنّة والناس: الوسواس قسمان، فقد يكون من الجِنّة وقد يكون من الناس

والناس هم المعتدى عليهم، ولذا جاء في الآية (رب الناس) ولم يقل رب الجِنّة والناس

لأن الناس لما وقع عليهم الأذى استعاذوا أو أمروا أن يستعيذوا بربهم ليخلصهم من شر ما أصابهم

وقدم الجنة على الناس لأنهم هم الأصل في الوسوسة، والناس تَبَع، وهم المعتدون على الناس، ووسوسة الإنسي قد تكون من وسوسة الجني

والجِنّة هم الأصل في الوسوسة، ولا تقع الوسوسة في صدورهم بل في صدور الإنس.

وقد وردت في القرآن آية أخرى بتقديم شياطين الإنس على الجنّ وذلك لأن السياق كان عن كفَرة الإنس الذين يشاركون الجن الوسوسة لذا تقدّم ذكرهم على الجنّ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) سورة الأنعام آية 112.

الدكتور فاضل السامرائي: برنامج قول معروف، لمسات بيانية في نصوص من التنزيل

إعداد: أنوار الأمل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير