[جمال الالتفات (منقول)]
ـ[الجهني]ــــــــ[08 - 09 - 2002, 12:54 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
من أسرار بلاغة القرآن
بقلم دكتور محمود شيخون عميد كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر
الالتفات هو عند أهل البلاغة والبيان: (التعبير عن معنى من المعانى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها).
وهو من أجل علوم البلاغة، وهو أمير جنودها، والواسطة فى قلائدها وعقودها، وهو فن ملاكه الذوق السليم، والوجدان الصادق.
وسمى بذلك: لأنه مأخوذ من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يقبل بوجهه تارة كذا، وتارة كذا، وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة، لأنه ينتقل فيه من صيغة إلى صيغة، ومن خطاب إلى غيبة، ومن غيبة إلى خطاب، إلى غير ذلك من أنواع الالتفات.
ويسمى أيضا: (شجاعة العربية)، وإنما سمى بذلك، لأن الشجاعة هى الإقدام، وذاك أن الرجل الشجاع، يركب ما لا يستطيعه غيره، ويتورد ما لا يتورده سواه، وكذلك هذا الالتفات فى الكلام، فإن اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات.
صورة: وله فى الأساليب العربية ست صور.
الصورة الأولى: الانتقال من التكلم إلى الخطاب.
الصورة الثانية: الانتقال من التكلم إلى الغيبة.
الصورة الثالثة: الانتقال من الخطاب إلى التكلم.
الصورة الرابعة: الانتقال من الخطاب إلى الغيبة.
الصورة الخامسة: الانتقال من الغيبة إلى التكلم.
الصورة السادسة: الانتقال من الغيبة إلى الخطاب.
وهذه الصور توجد فى القرآن الكريم، ما عدا الصورة الثالثة، وهى الانتقال من الخطاب إلى التكلم، فلم أعثر لها على شاهد فى القرآن الكريم.
وقد مثل لها بعضهم بقوله تعالى: " فاقض ما أنت قاض، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى ".
وهذا المثال لا يصح، لأن شرط الالتفات أن يكون المراد به وحدا.
وقال الزركشى: " ويمكن أن يمثل لهذه الصورة بقوله تعالى: " قل الله أسرع مكرا، إن رسلنا يكتبون ما تمكرون "، على أنه سبحانه نزل نفسه منزلة المخاطب.
وهذا تكلف وتعسف، لا يخفى على من له ذوق، ولا أدرى كيف وقع فيه الزركشى؟
(من إسرار الالتفات فى القرآن) إن من يمعن النظر فى شواهد الالتفات فى القرآن، يتضح له أنها تشتمل على كثير من الأسرار البلاغية، واللطائف الأدبية، التى تهز العواطف، وتحرك الأحاسيس والمشاعر.
ومن هذه الشواهد قوله تعالى حكاية عن حبيب النجار: " وما لى لا أعبد الذى فطرنى وإليه ترجعون ".
فقد التفت من التكلم فى قوله: " وما لى لا أعبد الذى فطرنى " إلى الخطاب فى قوله: " وإليه ترجعون "، لكى يخرج الكلام فى معرض مناصحته لنفسه، وهو يريد نصح قومه، تلطفا وإعلاما بأنه يريده لنفسه، ثم التفت إليهم، لكونه فى مقام تخويفهم، ودعوتهم إلى الله، وأيضا فإن قومه، لما أنكروا عليه عبادته لله، أخرج الكلام معهم بحسب حالهم، فاحتج عليهم بأنه يقبح منه ألا يعبد فاطره ومبدعه، ثم حذرهم بقوله: " وإليه ترجعون ".
ومنها قوله تعالى: " إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر ". فقد التفت من التكلم فى قوله: " إنا أعطيناك الكوثر " إلى الغيبة فى قوله: " فصل لربك وانحر "، تأكيدا لترغيبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى أداء ما أمر به على الوجه الأكمل. ونستكمل الحديث إن شاء الله.
يقول تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً).
انتقل القرآن من الخطاب فى قوله: (جاءوك) إلى الغيبة فى قوله: (واستغفر لهم الرسول) تفخيماً لشأن الرسول (، وتعظيماً لاستغفاره، وتنبيهاً على أن شفاعة الرسول من الله بمكان، وعلى أن هذا الوصف الشريف، وهو إرسال الله إياه موجب لطاعته، وعلى أنه مندرج فى عموم قوله: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله).
ومنها قوله تعالى: (وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون).
انتقل القرآن من الخطاب إلى الغيبة، للمبالغة فى المدح.
¥