[الاستعارة في القرآن الكريم]
ـ[أحلام]ــــــــ[03 - 10 - 2004, 11:51 م]ـ
[الاستعارة في القرآن الكريم]
اقتصر الأقدمون عندما تحدثوا عن الاستعارة في القرآن على ذكر أنواعها
من استعارة محسوس لمحسوس بجامع عقلى
ومن استعارة محسوس لمعقول
ومن استعارة معقول لمعقول أو لمحسوس
ومن استعارة تصريحية او مكنية ومن مرشحة اومجردة الى غير ذلك من ألوان الاستعارة، وهم يذكرون هذه الألوان ويحصون ما ورد في القران منها، ويقفون عند ذلك فحسب وبعضهم يزيد فيجرى الاستعارة ظانا انه بذلك قد أدى ما عليه من بيان الجمال الفنى في هذا اللون من التصوير ولم أر إلا ما ندر من وقوف بعضهم يتأمل بعض هذه اللمحات الفنية المؤثرة وليس مثل هذه الدراسة بمجد في تذوق الجمال وادرك أسراره
ومن الخير أن تبين الأسرار التي دعت إلى إيثار الاستعارة على الكلمة الحقيقية، وإذا أنت مضيت إلى الألفاظ المستعارة رأينها من هذا النوع الموحى لأنها اصدق أداة تجعل القارئ يحس بالمعنى اكمل إحساس، وأوفاه وتصّور المنظر للعين، وتنقل الصوت للأذن وتجعل الأمر المعنوي ملموسا محسا، وحسبي أن اقف عند بعض هذه الألفاظ المستعارة الموحية، نتبين سر اختيارها:
قال سبحانه {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا} فكلمة (يموج) لاتقف عند استعارتها لمعنى (الاضطراب) بل إنها تصور للخيال هذا الجمع الحاشد من الناس احتشادا لا تدرك العين مداه حتى صار هذا الحشد الزاخر كبحر ترى العين منه ما تراه في البحر الزاخر من حركة وتموج واضطراب، ولا تأتي كلمة يموج إلا موحية بهذا المعنى ودالة عليه،
وقال سبحانه {ربّ إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا} وهنا لا تقف كلمة اشتعل عند معنى انتشر فحسب، ولكنها تحمل معنى دبيب الشيب في الرأس في بطء وثبات، كما النار في الفحم مبطئة ولكن في دأب واستمرار، حتى إذا تمكنت من الوقود اشتعلت في قوة لا تبقى ولا تذر كما يحرق الشيب ما يجاوره من شعر الشباب، حتى لا يذر شيئا إلا التهمة واتى عليه، وفي إسناد الاشتعال إلى الرأس مايوحى بهذا الشمول الذي التهم كل شي في الرأس وقد تحثنا فيما مضى عما توحى به كلمة تنفس من إثارة معنى الحياة التي تغمر الكون عند مطلع الفجر.
وقال تعالى {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} فكلمة نسلخ تصور للعين انحسار الضوء عن الكون قليلا قليلا ودبيب الظلام إلى هذا الكون في بطء حتى إذا تراجع الضوء ظهر ما كان مختفيا من ظلمة الليل وقال تعالى {وفي عاد إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شي أتت عليه إلا جعلته كالرميم} ففي العقم ما يحمل إلى النفس معنى الاجداب الذي تحمله الريح معها.
وكثر في القرآن اخذ الكلمات الموضوعة للأمور المحسوسة يدل بها على معقول معنوى يصير به كأنه ملموس مرئي فضلا عن إيحاءات الكلمة إلى النفس خذ مثلا قوله تعالى {وإذا اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبينيه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشترواا به ثمنا قليلا فبئس مايشترون} ألا ترى أن كلمة نبذ فضلا عن أنها تدل على الترك توحي إلى نفس القارئ معنى الإهمال والاحتقار لان الذي ينبذ وراء الظهر إنما الحقير المهمل، وقوله تعالى {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} فكلمة القذف توحي بهذه القوة التي يهبط بها الحق على الباطل وكلمة يدمغه توحى بتلك المعركة التي تنشب بين الحق والباطل حتى يصيب رأسه ويحطمه فلا يلبث أن يموت وتأمل قوة التعبير بالظلمات والنور يراد بها الكفر والإيمان في قوله تعالى {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} وجمع الظلمات يصور لك إلى أي مدى ينبهم الطريق أمام الضال، فلا يهتدى إلى الحق وسط هذا الظلام المتراكم ومن ذلك قوله تعالى {الا أن يعفون أو الذي بيده عقدة النكاح} فانك تشعر في كلمة العقدة بهذا الربط القلبي الذي يربط قلبي الزوجين .....
ويطول بي القول إذا أنا وقفت عند كل استعارة من هذا اللون وحسبي أن اشير الى بعض نماذجه كقوله تعالى {فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين} فكلمة الصدع بمعنى الجهر توحى بما سيكون من اثر هذه الدعوة الجديدة من إنها ستشق طريقها إلى القلوب وتحدث في النفوس اثر قويا وقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتتفرقوا} فاي صلة
¥