[هدية مني إلى أنوار الأمل، وسمر الأرناؤوط (من لمسات بيانية)]
ـ[الهيثم 2]ــــــــ[07 - 05 - 2004, 04:20 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد.
هذا جواب عن سؤال للدكتور فاضل السامرائي من (لمسات بيانية)، ومعه مقال في الموضوع نفسه للأستاذ محمد إسماعيل عتوك.
=======
أولاً- سئل الدكتور فاضل، فأجاب:
السؤال الرابع:
قال تعالى في سورة النساء: "مَن يَشفَعْ شفاعَةً حَسَنةً يكن له نصيبٌ منها ومَن يَشفَعْ شفاعَة سيئة يكن له كِفْلٌ منها وكان الله على كلّ شيء مقيتا"
لم قال عن الشفاعة الحسنة (يكن له نصيب منها) وعن الشفاعة السيئة (يكن له كفل منها)؟
الجواب: من معاني (الكِفل) في اللغة: النصيب المساوي، المثل. والكفيل يضمن بقدر ما كفل ليس أكثر
أما (النصيب) فمطلق غير محدد بشيء معين
لذلك قال الله عز وجل عن السيئة (يكن له كفل منها)؛ لأن السيئة تجازى بقدرها " من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها" غافر 40
أما الحَسَنة فتضاعف كما قال تعالى: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا " الأنعام 160. وقال عز وجل: " مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا " القصص 84
فقال عن حامل السيئة أن له الكفل أي المثل، أما صاحب الشفاعة الحسنة فله نصيب منها والنصيب لا تشترط فيه المماثلة وهذا من عظيم فضل الله عز وجل
وورد في الحديث الشريف أنه عليه الصلاة والسلام قال فيما يرويه عن ربه: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك: فمن هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة".
من لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي
ثانيًا- قال الأستاذ محمد إسماعيل:
من أسرار الإعجاز البياني في القرآن الكريم
قال الله تعالى: {مَن يَشفَعْ شفاعَةً حَسَنةً يكن له نصيبٌ منها ومَن يَشفَعْ شفاعَة سيئة يكن له كِفْلٌ منها وكان الله على كلّ شيء مقيتًا} [النساء:85].
ما المراد من كل من النصيب والكفل في الآية الكريمة؟ ولمَ استعمل الأول في الشفاعة الحسنة، واستعمل الثاني في الشفاعة السيئة؟
وفي الإجابة عن ذلك نقول وبالله المستعان:
النصيب في اللغة هو الحظ الجيد المعيَّن من الشيء. تقول: هذا نصيبي. أي: حظي. واشتقاقه من النصْب، بإسكان الصاد. والنصْب: هو إقامة الشيء في استواء، وإهداف، ووضعه موضعًا ناتئًا؛ كنصب الرمح، والحجر في الأرض. والنصْب، والنصيب حجر كان ينصَب، فيعبَد، فهو منصوب. قال الراغب في مفرداته:" النصيب: الحظ المنصوب. أي: المعيَّن ". وهو المراد من قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء:11]، لقوله تعالى قبله: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} [النساء:7].
أما الكفل فيستعمل في اللغة لمعان كثيرة؛ أشهرها: النصيب والحظ. وهذا قول الجمهور. ونقل عن المؤَرِّج قوله:" الكفل: النصيب بلغة هذيل ". وقال غيره:" بل بلغة الحبشة ". وذكر أبو حيَّان صاحب تفسير (البحر المحيط) أن أكثر استعماله في الشر .. ولهذا استعمل في الشفاعة السيئة. وقد يستعمل في الخير؛ كقوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد:28] .. وكان أبو حيَّان قد نقل عن إبَّان بن تغلب أن الكفل بمعنى: المِثل، ونقل عن الحسن وقتادة أنه بمعنى: الوزر والإثم .. وذكر الفيروز آبادي من معاني الكفل: الضِّعف. واشتقاق ذلك كله من كفل البعير. قال الكسائيُّ:" أصل الكفل مركَب يهيَّأ على ظهر البعير ". وقال ابن فارس:" الكاف والفاء واللام أصل صحيح يدل على تضمن الشيء للشيء. من ذلك الكفل: وهو كساء يدار حول سنام البعير ".
وأضاف ابن فارس قائلاً:" والكفل في بعض اللغات: الضعف من الأجر، وأصله ما ذكرنا أولاً؛ كأنه شيء يحمله حامله على الكفل الذي يحمله البعير، ويقال ذلك في الإثم ".
وعلى هذا المعنى يحمل قول الله تعالى: {يكن له كفل منها}. بمعنى: أنه يناله من شفاعته السيئة ضعف من الأجر الرديء؛ لأنه آثم بهذه الشفاعة.
والخلاصة: أن الشفاعة إما أن تكون حسنة، أو تكون سيئة. والشفاعة الحسنة هي التي يراعى بها حق المسلم، فيدفع بها عنه شر، أو يجلب بها إليه خير، ولا يبتغى بها إلا وجه الله تعالى .. والشفاعة السيئة ما كانت بخلاف ذلك. فإذا كانت الشفاعة في حق، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع أجرٌ حسن. وهذا ما عبَّر عنه بالنصيب. وإذا كانت الشفاعة في باطل، كان لصاحبها من أجرها الذي يستحقه المُشفَّع ضعفٌ من الأجر الرديء. وهذا ما عبِّر عنه بالكفل، تنبيهًا على أن الشفاعة المؤدية إلى إحقاق الحق تكون عظيمة الثواب عند الله تعالى، وأن الشفاعة المؤدية إلى إسقاط الحق تكون عظيمة العقاب عند الله تعالى. ولهذا قال الله تعالى في الموضعين: {منها}. {يكن له نصيب منها} .. {يكن له كفل منها} .. وإنه لمن السذاجة بمكان أن يقال في الأول: أضعافها، أو نحوه، وفي الثاني: مثلها.
فإذا تأملت ما ذكرنا تبين لك الفرق بين النصيب، والكفل، وأدركت الفرق بينه، وبين ما أجاب به الدكتور فاضل السامرائي. وهذا لا يفهمه كل أحد، ولا يدركه إلا من منحه الله فهمًا من عنده .. فلله الحمد والمنة على ما أنعم به علينا من نعمة العلم والفهم لأسرار كلامه!!
محمد إسماعيل عتوك
¥