الكلمة في القرآن عاشقةٌ لمكانها
ـ[أحلام]ــــــــ[19 - 10 - 2004, 03:27 م]ـ
[الكلمة في القرآن عاشقة لمكانها]
وقد يحتاج المرء إلى التريث والتدبر ليدرك السر في إيثار كلمة على أخرى ولكنة لا يلبث أن يجد سمو التعبير القرآني فمن ذلك قواه تعالى {قالوا أن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فاجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد افلح اليوم من استعلى، قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى}
- فقد يبدو للنظرة العاجلة أن الوجه أن يقال إما أن تلقى و إما أن تلقى وربما توهم أن سر العدول يرجع الى مراعاة النغم الموسيقي فحسب حتى تتفق الفواصل في هذا النغم وذلك ما يبدو بادئ الرأي،
- أما النظرة الفاحصة فإنها تكشف رغبة القرآن في تصوير نفسية هؤلاء السحرة وانهم لم يكونوا يوم تحدوا موسى بسحرهم خائفين أو شاكين في نجاحهم و إنما كان الأمل يملأ قلوبهم في نصر مؤزر عاجل فهم لا ينتظرون ما عسى أن تسفر عنه مقدرة موسى عندما ألقى عصاه بل كانوا مؤمنين بالنصر سواء ألقى موسى أولا ام كانوا هم أول من ألقى ...
- ومن ذلك قوله تعالى {وان الذين اختلفوا في الكتاب لفى شقاق بعيد} قد يتراءى أن وصف الشقاق وهو الخلاف بالقوة أولى من وصفه بالبعد ولكن التأمل يدل على أن المراد هنا وصف خلافهم بأنه خلاف تتباعد فيهوجهات النظر الى درجة يعسر فيها الالتقاء ولا يدل على ذلك لفظ غير هذا اللفظ الذي اختاره القرآن ...
- ومن ذلك قوله تعالى {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} فربما كانت الموسيقى والفاصلة في الآية السابقة دالية تجعل من المناسب أن يوصف الفج بالبعد فيقال فج بعيد ولكن إيثار الوصف بالعمق تصوير لما يشعر به المرء أمام طريق بين جبلين فصار كان له طولا وعرضا وعمقا ...
- وايثار كلمة مسكوب في قوله تعالى {و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمن في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب} مكان كلمة غزيرة أدق في بيان غزارته فهو ماء لا يقتصد في استعماله كما يقتصد أهل الصحراء بل هو ماء يستخدمونه استخدام من لا يخشى نفاده بل ربما أوحت تلك الكلمة بمعنى الإسراف في هذا الاستخدام ....
- واستخدام كلمة يظنون في الآية الكريمة {واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم اليه راجعون} قوية في دلالتها على مدح هؤلاء الناس الذين يكفى لبعث الخشوع في نفوسهم و أداء الصلاة والأنصاف بالصبر أن يظنوا لقاء ربهم فكيف يكون حالهم اذا اعتقدوا؟؟
- ومن دقة أسلوب القران في اختيار ألفاظه ما أشار إليه الجاحظ حين قال (وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها، وغيرها أحق بذلك منها ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في موضع العقاب أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر ....
- والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حالة القدرة والسلامة وكذلك ذكر المطر لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام .. والعامة واكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وذكر الغيث ... )
- ولا اختيار القرآن للكلمة الدقيقة المعبرة، يفضل الكلمة المصّورة للمعنى اكمل تصوير ليشعرك به أتم شعور و أقواه وخذ لذلك مثلا كلمة يسكن في قوله تعالى {أن يشا يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره وكلمة تسوروا في قوله تعالى {وهل آتاك نبا الخصم اذ تسوروا المحراب}
- وكلمة يطوقون في الآية الكريمة {ولا يحسبن الذين يبخلون بما اتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطقون ما بخلوا به يوم القيامة}
- وكلمة يسفك في آية {وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}
- وكلمة انفجر في قوله تعالى {وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عينا}
- وكلمة يخزون في الآية {أن الذين أوتوا العلم من قبلة إذا يتلى عليهم يخزون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا أن كان وعد ربنا لمفعولا.
- وكلمة مكبا في قولة تعالى {أفمن يمشى مكيا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم}
- وكلمة تفيض في قوله تعالى {وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}
¥