تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هدية إلى أعضاء المنتدى، وليس لأنوار الأمل نصيب منها]

ـ[الهيثم 2]ــــــــ[08 - 05 - 2004, 07:00 ص]ـ

من أسرار البيان في سورة (الكافرون)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في سورة (الكافرون): {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]

هذه السورة على- قصرها- قد جمعت من بديع الفوائد، وأسرار البيان، ما يعجز عن الإتيان بمثله أرباب الفصاحة والبيان.

وأول ما نذكره من هذه الفوائد والأسرار سر النداء بـ {يا أيها}. فقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال:" يا: نداء النفس. وأيُّ: نداء القلب. وها: نداء الروح ". ويقول النحاة:" يا: نداء الغائب البعيد. وأيُّ: نداء الحاضر القريب. وها: للتنبيه ".

والفائدة الثانية: هي في قوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون}، فوصفهم بـ (الكافرين)، ولم يصفهم بـ (الجاهلين) - كما وصفهم في قوله تعالى: {قل أغير الله تدعوني أعبد أيها الجاهلون} - وذلك؛ لأن سورة (الكافرون) نزلت بتمامها فيهم، فلا بدَّ أن تكون المبالغة فيها أشد .. ثم إنه لا يوجد لفظ أبشع، ولا أشنع من لفظ (الكفر). وذلك؛ لأنه صفة ذمٍّ عند جميع الخلق سواء كان مطلقًا، أم مقيَّدًا. أما لفظ (الجهل) فإنه عند التقييد، قد لا يذم؛ كقوله عليه الصلاة والسلام في علم الأنساب:" علمٌ لا ينفع، وجهل لا يضر ".

والفائدة الثالثة: هي في قوله تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. فعبَّر بـ (ما) دون (من)؛ لأن المراد التعبير عن معبوده عليه الصلاة والسلام- على الإطلاق دون تخصيص؛ لأن امتناعهم عن عبادة الله تعالى ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم كانوا يعبدون الله؛ ولكنهم كانوا جاهلين به. ولهذا ناسب إيقاع (ما) عليه دون (من)، لما في الأولى من دلالة على الإبهام، والوقوع على الجنس العام. هذا ما أجاب به الشيخ السهلي رحمه الله، ثم ذكر جوابًا آخر؛ وهو:

" أنهم كانوا يشتهون مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسدًا له، وأنفة من اتباعه. فهم لا يعبدون معبوده، لا كراهية لذات المعبود، ولكن كراهية لاتباعه صلى الله عليه وسلم، وشهوة منهم لمخالفته في العبادة كائنًا ما كان معبوده، وإن لم يكن معبوده إلا الحق سبحانه وتعالى. فعلى هذا لا يصح في النظم البديع، والمعنى الرفيع إلا (ما)، لإبهامها، ومطابقتها الغرض الذي تضمنته الآية ".

وأقرب من هذا وذاك- كما قال ابن قيِّم الجوزيَّة-:" هو أن المقصود- هنا- ذكر المعبود الموصوف بكونه أهلاً للعبادة، مستحقًا لها، فأتى ب (ما) الدالة على هذا المعنى. كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودي الموصوف بأنه المعبود الحق. ولو أتى بلفظ (من)، لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفًا، لا إنه جهة العبادة. ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلاً لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته. فتأمله، فإنه بديعٌ جدًّا ".

والفائدة الرابعة: هي فائدة تكرار الأفعال في هذه السورة الكريمة. وقد قيل في ذلك أوجهًا؛ أحسنها:

أن قوله صلى الله عليه وسلم: {لا أعبد ما تعبدون} نفيٌ للحال، ويقابله: قوله تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: ولا أنتم تعبدون الآن ما أعبده أنا.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم} فمعناه: ولا أعبد أنا في المستقبل، ما عبدتم أنتم في الماضي.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} فمعناه: ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبده الآن، وفي المستقبل.

وعلى هذا فلا تكرار أصلاً في السورة، خلافًا لمن زعم أن هذا تكرار، الغرض منه التأكيد .. وبهذا الذي ذكرناه تكون الآيات الكريمة قد استوفت أقسام النفي عن عبادته صلى الله عليه وسلم، وعبادة الكافرين، في الماضي، والحاضر، والمستقبل، بأوجز لفظ، وأخصره، وأبينه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير