[من مميزات التعبير القرآني]
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[19 - 06 - 2004, 01:18 ص]ـ
إذا قلبت النظر بين ألفاظ القرآن ومعانيه تجد إعجازه يشع عليك منهما معا، فتترتب حروفه بمالها من صفات وإيحاءات وتناسق كلماته بما لها من شعاع يتألق من رصفها وترتيبها وتساوق المعاني التي تسابق إلى النفس وقع ألفاظها في السمع كل ذلك من أسرار الإعجاز البياني في القرآن فقد قدر في ترتيب حروفه مخارجها ونبراتها وصفاتها وما يوحي به كل حرف من أثر في النفس كما قدر في ترتيب الكلمات التناسق العجيب بحيث تكون كل كلمة منها لقف أختها فلا تجد ما بينها ما ينبو عنه السمع أو ينفر منه الطبع، وما أجمل وصف الأستاذ الرافعي لحروف القرآن إذ وصف كل حرف منها بأنه يمسك الكلمة ليمسك بها الجملة، وما أروع المثل الذي ضربه للقرآن حيث جعل مثله مثل نظام الكون في ترتيبه الدقيق وتناسقه العجيب بكل ما فيه من الذرة إلى المجرة، وإذا كان الأستاذ الرافعي يراعي في هذا المثل الشبه بين نظام القرآن ونظام الكون في تناسقهما فإن هناك وجها آخر للشبه بينهما وهو ما يستجلي بين حين وآخر من أسرار آيات الله الكونية وآياته القرآنية سواء ما يتعلق ببيان القرآن المعجز أو معانيه الباهرة ولنعد إلى ذكر بعض الأمثلة لما ذكرنا
[من مميزات التعبير القرآني]
يقول تعالى مصورا عاقبة نوح وما أصابهم من الغرق] وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [(هود/44)
إن كل من أوتي نصيبا من الذوق والحس يشعر بتلاوة هذه الآية إن تلاها أو تليت عليه بهاجس نفسي يستوقفه عند كل كلمة بل عند كل حرف منها وما ذلك إلا لما فيها من دقة الترتيب وجمال التنسيق بين الحروف وبين الكلمات وما يصحب ذلك من ترتب المعاني وتساوقها فكان كل حرف منها له إشاعة الخاص ويبدأ تجلي ما فيها من جمال وجلال بتصدير الآية بالقول مبنيا للمجهول: وقيل" وما ولي ذلك من نداء الأرض باسمها الصريح بنا من أحرف النداء دون غيرها وأمرها بأن تبلغ الماء وإضافة الماء إليها وإتباع نداء الأرض بنداء السماء بنفس الأداة وأمرها بالإقلاع وإظهار النتيجة وهي غيض الماء وقضاء الأمر بصياغة فعل مبني للمجهول من كل منهما واستواء السفينة على الجودي وإعلان النهاية وهي بعد القوم الظالمين، ولو أن حرفا من هذه الحروف انتزع من مكانه لم يسد غيره مسده وبهذا يظهر أن البلاغة كما تكون في الجمل تكون في المفردات أيضا مع الترتيب وإن كانت الكلمات المفردة لا يتجلى جمالها ولا يسطع ضياؤها إلا إذا قرنت بما يناسبها بحيث تكون كل واحدة منها آخذة بحجزة أختها بحسب ترتب المعاني في النفس
وإن شئت فانظر في قوله تعالى: وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [(التكوير/18) تجد من الروعة والجمال باجتماع كلمتي الصبح والتنفس ما لا تجده لو جيء بأي كلمة لتوضع مكان إحدى الكلمتين بهذا التأثر فإن كلمة الفجر إذا تنفس لم تخالط نفسك هذه الروعة ولم تحس بهذا التأثر فإن كلمة الفجر وإن كانت رديفة لكلمة الصبح فهي تختلف معها في الاشتقاق لأنها مشتقة من الانفجار وهذا يعني أن الفجر أول سطوع ينشق عنه ظلام الليل والصبح مأخوذ من الإصباح وهو سريان الضوء لتمزق رداء الظلام الذي يجلل الفضاء ولذلك كانت كلمة الصبح هنا أليق وأنسب من كلمة الفجر لاقترانها بذكر التنفس والتنفس دليل الحياة لأنه عبارة عن جذب الأنفاس إلى داخل الجسم وإخراجها منه وبدخول الأنفاس في الجسم تعطي الجسم مادة الحياة وخروجها استمرار للحياة وهذا لا يناسب ذكر الفجر كما يناسب ذكر الصبح لما تصوره جملة "والصبح إذا تنفس" من ذلك المشهد الذي ينساب فيه ضوء الصباح في الفضاء فيطوي رداء الظلام وتسري الحياة في عالم الأرض فتغني الطيور وتحيا الحركة إذ ترى الناس بين آت وذاهب يغدون إلى أعمالهم والحيوانات تنطلق من مرابضها ساعية وراء رزق الله، والأشجار تستقبل أزهارها وأوراقها هذا الضياء استقبال العاشق لمعشوقه، ومثل ذلك قل في تناسب جميع الكلمات وتآخيها
منقول من جواهر التفسيرللخليلي
ـ[دعبدالحميد]ــــــــ[09 - 07 - 2004, 07:50 م]ـ
الاخت انوار الامل المحترمة
: جزاك الله كل خير
وجعل كل ماتقدميه في ميزان حسانتكم،
وكما يقال (من لايشكر الناس لايشكر الله)
ـ[حمزة]ــــــــ[15 - 07 - 2004, 12:57 ص]ـ
ما أروعك يا أنوار
إيه الجمال دة؟؟؟ إيه الأحاسيس دي؟؟؟ أرسلت لك رداً في الإعجاز أرجو إفاداتي بما ورد فيه
نور الله قلبك بالإيمان والقرآن
لك التحية
وخير جليس لا يمل حديثه ... وترداده يزداد فيه تجملا