[بلاغة القرآن وعناية العلماء به]
ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[20 - 06 - 2004, 12:37 م]ـ
:::
الحمد لله القائل: " وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد" (1) والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل: " ألا وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة" (2) وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فمن نعم الله على هذه الأمة أن نزَّل اليها أعظم الكتب وهو القرآن الكريم وأرسل إليها أفضل رسله وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الأمة، وحُقَّ لها، خير أمة أخرجت للناس.
وهذه الأمة إنما عزت بالإسلام لا بغيره فمتى تمسكت بكتاب ربها ورأت عزها ورأت علامات النصر ومخائل الظفر وتباشير الخير.
لقد أعجز القرآن الكريم العرب وحاول بعضهم أن يعارضه بشيء وأنى لهم ذلك: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" (3).
وكل من رام معارضته بشيء رجع خاسئا خائبا هائبا ونكس على رأسه وارتكس في أمره، وأقام نفسه على شفا جرف هارٍ ووقفها على رجا حفرة من النار.
وحاولت شرذمة أخرى أن تطعن في القرآن الكريم بالتناقض وما طعن هؤلاء الا بعقولهم إذ حسمت هذه القضية بقوله تعالى: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".
وقد خسر وخاب من حاد عن سبيل الرشاد وسلك سبيل الفناء وحاول أن يخبئ مصابيح القرآن ويطفئ نور سراج الإيمان، وصدق الله: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" (4). إن كتاب الله عز وجل زاد المسلم في حياته فما قرأه مسلم وفقهه الا وانحسرت غمومه وانقشعت همومه وجفل كربه وسرى عنه حزنه، وما أعرض عنه عبد إلا وتاه عن الطريق المثلى وفارق العروة الوثقى وتنكب مناهج الهدى وركب سنن الضلالة والردى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشه ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) (5).
ولقد هيأ الله جل وعلا لهذا القرآن من العلماء والأصفياء والأولياء الأخيار والأتقياء الصالحين من اتصلت محامدهم، وعلت مبانيهم، وجمعت مكارمهم، فلهم من كل فضيلة السهم الأعلى والقدح المعلّى، فجردوا فيه العناية وأظهروا فيه الكفاية، وصرفوا اليه اهتمامهم فأوضحوا للناس ما التبس عليهم فهمه واستبهم، وبينوا لهم معاني القرآن الكريم وكثيراً من أسراره وأحكامه وبلاغته ومعجزاته وذلك بفضل الله عز وجل ثم بتقواهم وعبادتهم فصار عسير الناس عليهم يسيراً وجبلهم عندهم سهلاً، ووعرهم عندهم هيناً، فلهم أنفس أبية وهمم علية، فأنجح الله سعيهم وسدد أمرهم وسهل مطلبهم فلله درّهم ما أحسن سيرتهم وأنقى سريرتهم وأكرم أخلاقهم وأمجد أعراقهم.
ولتعظيمهم كتاب ربهم وخدمته جرى على بشرتهم صفاء وضياء وحسن وبهاء، وكلما قرأنا سير هؤلاء العلماء المرتضين الأوابين والأزكياء المنيبين صارت قلوبنا مشوقة اليهم وأعيننا تواقة للنظر اليهم وأنفسنا ذات حسرة عليهم وصبابة بهم وانتزاعا الى لقائهم، يشوقنا اليهم كثرة محاسنهم وحسن أخلاقهم وبذلهم الغالي والنفيس خدمة للعلم.
وإن أمة كثر فيها أولئك العلماء البررة لجديرة أن تصافحها يد السعادة والهناء والعز والإباء، ويأبى القلم ويعجز أن يخط مآثرهم فذلك ما لا نستطيعه، ولكننا لا نعجز أن ننقش محبتهم في سويداء قلوبنا فهي تخفق بمحبتهم، وأن نلهج بالدعاء لهم والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار.
وإن شئت أخي المسلم أن تحظى بشيء من عزهم وأن تلحق بركبهم فاجعل الورع شعاراً والنزاهة دثاراً والحقّ جنة والصدق سنة والعلم سراجاً والحلم منهاجاً، ولئن صدقت في طلبك لعزهم وأعطيته همك وعملك ونشاطك فسترى بوارق العز تلوح وتلمع، ومخائله تبوح وتسطع، وفق الله الجميع وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
1 - سورة فصلت آية (42).
2 - مسلم (2408)
3 - سورة الاسراء آية (88)
4 - سورة النساء آية (82)
5 - سورة الصف آية (8)
6 - سورة طه آيه (124)
طارق الخويطر
http://haras.naseej.com/Detail.asp?InSecti...wsItemID=138574