تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الجَمال في القرآن الكريم

ـ[أنوار الأمل]ــــــــ[08 - 08 - 2003, 12:08 ص]ـ

قيمة الجمال في القرآن الكريم

صفاء الدين محمد أحمد*


الجمال ثالث ثلاثة من القيم التي شغلت الفكر البشري منذ بدأت المسيرة الإنسانية على ظهر الأرض لتحقق الرسالة التي من أجلها خلق الله الإنسان، وهي العبودية الخالصة لله وحده، هذه القيم الثلاثة هي: الحق والخير والجمال.

وكان تناول الفكر الإنساني لها وهو بمعزل عن الدين الحقّ منذ فجر الفلسفة اليونانية حتى عصرنا الحاضر مثيراً، مضطرباً، متناقضاً، هزيلاً، تحوّلت معه هذه القيم الثابتة على يديه إلى قضايا نسبية، وهذا شأنُ الفكر الإنساني عندما ينأى عن هداية الدين الحقّ، إذ يتخبّط في غياهب الوهم، ويضلّ بوادي الظنون.

والجمال له جانبان: حسّي ومعنوي، وقد أخفق الفكر الإنساني تماماً في وضع مقاييس ثابتة لكليهما.

لكنّ الذِكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يتناول هذه القيمة تناولاً محكماً، سديداً، راشداً،، يجعلها تسهم في سموّ المجتمع البشري، ودفعه إلى تحقيق رسالته الكريمة. ولقد ورد لفظ "جميل" و"جمال" في ثماني آيات من القرآن الكريم، منها موضع واحد عن الجمال الحسّي.

وتحدَّث في المواضع السبعة الباقية عن الجمال المعنوي والخُلُقي.

في الجمال الحسّي
الجمال الحسّي ظاهر في كلّ مخلوق متناسق، لا عوج في خلقه، ولا اضطراب، ولا تشويه، والله تبارك وتعالى خلق الكون بما فيه ومن فيه على أكمل صورة، وأجملها، وأسماها، وقدّم الله تبارك وتعالى ظواهر هذا الكون الجميل في الكتاب العزيز شواهد على قدرته، ودلائل على ربوبيته، وآيات ناطقة بتوحيده.

يقول تبارك وتعالى في الحديث عن الأنعام وما فيها من جمال ومتاع: {ولكُم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} (النحل:6)، وهذه الآية تقدّم صورة للجمال عندما تحسّ به النفس الإنسانية فيملأ جوانبها سعادة ومسرّة، والجميل في الآية أنّها تقدّم الرواح على السروح، مع أنّ الواقع عكس ذلك؛ وكان هذا لأنّ الإحساس بالجمال والمتعة بالأنعام عندما تعود من المرعى ممتلئة شبعى أكثر من الإحساس بها وهي ذاهبة غرثى. وهذه هي الآية الوحيدة التي تتحدّث عن الجمال الحسّي بلفظ الجمال الصريح. وهُناك آيات أخرى تتحدّث عن الجمال في الكون بغير لفظه.

من ذلك حديث القرآن الكريم عن خلق الإنسان، إذ قال تعالى بعد أن وصف مراحل الخلق التي مرّ بها الإنسان: {ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون:14)، ولا شكّ في أنّ مخلوقاً لأحسن الخالقين يكون على أرفع مستوى من الجمال والإتقان.

وهُناك آيات أُخرى تكشف عن ظواهر الجمال في خلق الإنسان، وهي تتمثّل في التسوية، والتعديل، والتقويم، فيقول تعالى: {يا أيُّهَا الإنسانُ ما غرّك بربِّك الكَريم* الذي خلقك فسوَّاك فعدلك* في أيّ صورة ما شاء ركّبك} (الانفطار:6ـ8)، ويقول جلّ وعَلا: {لّقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ في أحسَنِ تَقْوِيم} (التين:4).

وفي حديثٍ عن الجمال في السموات والأرض يقول سبحانه: {بديعُ السَّمواتِ والأرضِ} (الأنعام:101}، ومعنى هذا تأكيد جوانب الإبداع في أنحاء الكون الكبير.

وفي موطن آخر يقدّم القرآن صوراً بديعة من جمال الكون، بُرهاناً على البعث، فيقول تعالى: {أفَلَم ينظُروا إلى السَّماء فَوقَهم كَيفَ بَنينَاهَا وزَيّناهَا وما لها من فروج* والأرضَ مددناها وألقينا فيها رَواسِى وأنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوجٍ بَهِيج* تَبصرةً وذِكرَى لِكلِّ عَبدٍ مُنيب* ونَزّلنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكَاً فَأنْبَتْنَا بِه جَنّاتٍ وحَبّ الحَصِيد* والنَّخلَ بَاسِقَات لَهَا طَلعٌ نَضِيد* رِزقَاً للعِبادِ وأحْيَيْنَا بِه بَلدةً ميتاً كذلك الخروج} (ق:6ـ11).

فنلمح من مظاهر الجمال التي أبرزتها الآيات كلمة: {وزيّناها} ممَّا يجعل الزينة ـ وهي من أبرز عناصر الجمال ـ عنصراً في بناء الكون، وكذا قوله تعالى: {وما لها من فروج}، والاتساق والتكامل من مظاهر الجمال، وكذا قوله تعالى: {من كل زوج بهيج} ـ {حبّ الحصيد} ـ {والنخيل باسقات} ـ {طلع نضيد}، وهذه العبارات كُلها تصوّر أنماطاً من الجمال لها مغزاها الكبير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير