تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الله تعالى عندما جعل القوانين تجري على البشرية من فرح وشقاء ونصر وهزيمة وسعادة وحزن جعلها وفق منظومة دقيقة من حيث التطبيق العملي الذي يكون في محيط المشروع وفي محيط التحضّر الإنساني العظيم الذي كرّم الله تعالى به بني آدم وهذا الانسان المكرّم في سلوكياته أرسله الله تعالى بعد أن نفخ فيه تعالى من روحه ولا يليق بالانسان أن يتدنّى به إلى مرحلة الحيوانية.

والحزن فرصة للحزين أن لا يُبقي الله عزّ وجلّ عليه ذنباً كما في الحديث " إن العبد لتسبق له المزلة عند الله فلا يبلغها بعمله فيسلّط الله تعالى عليه الهمّ والحزن فيبلغها بذلك" وليس عيثاً أن الحزين في ظلّ الله تعالى يوم القيامة. والحزن هو من المصائب التي قد تعمي العيون كما حصل مع يعقوب ? (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) يوسف) الذي كتم حزنه بدون شكوى فقال (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)) لكنه أوكل أمره إلى الله تعالى وهكذا يجب على المحزون أو يوكل أمره إلى ربه تعالى ويقترب بحزنه من الله تعالى فيتكفّل سبحانه بما أنت حزين من أجله وكل من أصابته مصيبة فقال (إنا لله وإنا إليه راجعون) فإن الله تعالى يجعله في مرحلة (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة) وكلما تذكّر مصيبته فاسترجع كما فعل في أول يوم يعطيه الله تعالى مثلما أعطاه في الرمة الأولى من رفعة درجة ومفغرة ذنب.

وهناك الحُزن والحَزَن والبعض يقول الثانية هي من أدوات الحُزن لكن هذا الكلام ليس منضبطاً إنما الحُزن والحَزَن لغة واحدة فيما عدا أن الحَزَن هو حزن لا يذهب (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) فاطر) (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص) ففرعون بقي للنهاية وموسى له عدو وحَزَن.

الحسرة: هذه أعجوبة العجائب وهي أن تتاح لك فرصة هائلة ثم تفقدها بشكل نهائي لا رجاء بالعودة إليها لكنك ضيّعتها بشكل يدل على حُمق وسوء حظ. كل شيء في حياتك له قيمة عالية مادية أو معنوية تفقده بشكل نهائي بسبب تافه يورثك حسرة كما أصاب سيدنا يعقوب ? فهو كان يعلم أن إخوة يوسف يغارون منه ويحقدون عليه ومع هذا سمح لهم بأن يأخذوه ووصى أولاده بأن ينتبهوا له وهو غير مطمئن (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)) فكيف فرّط بيوسف وحصل ما حصل فقال (وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) والحسرة في الدنيا كثيرة مثل فوات منصب أو جائزة أو زواج من امرأة معينة كلها ضاعت بسبب تصرف سخيف لكن حسرات الدنيا فانية لكن المصيبة الكبرى هي الحسرة يوم القيامة وهي التي لا علاج لها وهي تقطع الأكباد ولذلك سمّى تعالى يوم القايمة بيوم التغابن لأن الإنسان يشعر يومها بأنه مغبون غبِن نفسه فسيصاب بالحسرة بحيث ضاعت عليه المكانة في جنة الخلد وفي الحديث الشريف:" لا يتحسّر أهل الجنة إلا على ساعة لم يذكروا فيها اسم الله عزّ وجلّ" يتحسرون لما يروه من نعيم من ذكر الله دائماً ويتمنون لو أنهم ذكروا ربهم أكثر في الدنيا لينعموا بهذا العطاء وتلك المكانة العالية في الجنة. والذكر من أعظم العبادات والأذكار المأثورة الواردة علينا أن نتمسك بها منها أذكار بعد الصلاة وعند سماع المؤذن وعند الدخول والخروج من البيت وعند الأكل واللبس ونزول المطر وغيرها من الأذكار المأثورة ومن سمع المؤذن فقال بعد قوله أشهد أن لا إله إلا الله: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت رضيت بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت". وفي الحديث " ذهب الذّاكرون بكل خير يضع الذكر عنهم أوزارهم" "أحبُّ العمل إلى الله أدومه وإن قلّ" والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ومن حسرة المسلم أيضاً يوم القيامة من لم يحفظ البقرة وقد كان قادراً عليها في الدنيا لشدة ما سيرى من عطاء الله تعالى لحافظ البقرة كما في الحديث "البقرة أخذها بركة وتركها حسرة" وحسرات أهل الجنة تنطلق من اهمالنا لكل ما يُحبّه الله تعالى كالذاكرين والمتطهرين والتضرع والتوابين والدعاء فهذه عبادات سهلة جداً وأن يكون الانسان على وضوء دائم طيلة يومه وأن يذكر الله تعالى بالأذكار المأثورة هذه العبادات السهلة إن قصّرنا فيها ستكون علينا حسرة يوم القيامة لأننا فرّطنا فيها.

أما الحسرة العظمى فهي حسرة دخول النار (وأنذرهم يوم الحسرة) يتحسّر الكافر على ما أشرك بالله من شركاء وأنكر الخالق وهو في قرارة نفسه كان على علم بأن لهذا الكون خالق واحد (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل) لغبائه وعدم مسؤوليته أشرك بالله وسيصاب يوم القيامة بالحسرة الكبرى العظيمة

المصار: كتاب الفروق + برنامج الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم

للشيخ أحمد الكبيسي، من موقع إسلاميات

www.islamiyyat.com/kalema.htm

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير