وإذا قلت: ما زيد منطلقاً أبو عمرو، وأبو عمرو أبوه، لم يجز، لأنك لم تعرفه به ولم تذكر له إضماراً ولا إظهاراً فيه، فهذا لا يجوز لأنك لم نجعل له فيه سبباً.
وتقول: ما أبو زينب ذاهباً ولا مقيمة أمها ترفع، لأنك لو قلت: ما أبو زينب مقيمةً أمها لم يجز، لأنها ليست من سببه وإنما عملت ما فيه لا في زينب. ومن ذلك قول الشاعر، وهو الأعور الشني: هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها
لأنه جعل المأمور من سبب الأمور ولم يجعله من سبب المذكر وهو المنهي. وقد جره قوم فجعلوه المأمور للمنهي، والمنهى هو الأمور لأنه من الأمور وهو بعضها، فأجراه وأنثه كما قال جرير: إذا بعض السنين تعرقتنا كفى الأيتام فقد أبي اليتيم
ومثل ذلك قول الشاعر، النابغة الجعدي: فليس بمعروف لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكر أن تعقرا
كأنه قال: ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ولا مستنكر عقرها، والعقر ليس للرد. وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد ويؤنث لأنه من الخيل، كما قال ذو الرمة: مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها من الرياح النواسم
كأنه قال: تسفهتها الرياح، وكأنه قال: ليس بآتيتك منهيها وليس بمعروفةٍ ردها، حين كان من الخيل والخيل مؤنثة فأنث.
ومثل هذا قوله تعالى جده: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، أجرى الأول على لفظ الواحد والآخر على المعنى. هذا مثله في أنه تكلم به مذكراً ثم أنث، كما جمع ههنا، وهو في قوله ليس بآتيتك منهيها، كأنه قال: ليس بآتيتك الأمور. وفي ليس بمعرفة ردها، كأنه قال: ليس بمعرفة خيلنا صحاحاً.
وإن شئت نصبت فقلت: ولا مستنكراً أن تعقرا ولا قاصراً عنك مأمورها، على قولك: ليس زيد ذاهباً ولا عمرو ومنطلقاً، أو ولا منطلقاً عمرو.
وتقول: ما كل سوداء تمرةً ولا بيضاء شحمة، وإن شئت نصبت شحمةً. وبيضاء في موضع جر، كأنك أظهرت كل فقلت ولا كل بيضاءً. قال الشاعر أبو داود: أكل امرئٍ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
فاستغنيت عن تثنية كل لذكرك إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب. وجاز كما جاز في قولك: ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه، وإن شئت قلت: ولا مثل أخيه. فكما جاز في جمع الخبر كذلك يجوز في تفريقه. وتفريقه أن تقول: ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكره ذاك. ومثل ذلك ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك. فلما جاز في هذا جاز في ذلك.
ـ[المكي]ــــــــ[23 - 01 - 2006, 09:21 م]ـ
(18)
ما يجري على الموضع لا على الاسم الذي قبله
وذلك قولك: ليس زيد بجبان ولا بخيلاً، وما زيد بأخيك ولا صاحبك. والوجه فيه الجر لأنك تريد أن تشرك بين الخبرين، وليس ينقض إجراؤه عليك المعنى. وأن يكون آخره على أوله أولى، ليكون حالهما في الباء سواءً كحالهما في غير الباء، مع قربه منه.
وقد حملهم قرب الجوار على أن جروا: هذا جحر ضبٍ خربٍ، ونحوه، فكيف ما يصح معناه.
ومما جاء من الشعر في الإجراء على الموضع قول عقيبة الأسدي: معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
لأن الباء دخلت على شيء لو لم تدخل عليه لم يخل بالمعنى ولم يحتج إليها وكان نصباً. ألا ترى أنهم يقولون حسبك هذا وبحسبك هذا، فلم تغير الباء معنى. وجرى هذا مجراه قبل أن تدخل الباء، لأن بحسبك في موضع ابتداءٍ. ومثل ذلك قول لبيد: فإن لم تجد من دون عدنان والداً ودون معدٍ فلتزعك العواذل
والجر الوجه.
ولو قلت: ما زيد على قومنا ولا عندنا كان النصب ليس غير، لأنه لا يجوز حمله على على. ألا ترى أنك لو قلت: ولا على عندنا لم يكن، لأن عندنا لا تستعمل إلا ظرفاً، وإنما أزدت أن تخبر أنه ليس عندكم.
وتقول: أخذتنا بالجود وفوقه، لأنه ليس من كلامهم وبفوقه.
ومثل ودون معدٍ قول الشاعر، وهو كعب بن جعيل: ألا حي ندماني عمير بن عامر إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا
وقال العجاج: كشحا طوى من بلد مختاراً من يأسه اليائس أو حذارا
وتقول: ما زيد كعمرو ولا شبيهاً به، وما عمرو كخالدٍ ولا مفلحاً، النصب في هذا جيد، لأنك إنما تريد ما هو مثل فلان ولا مفلحاً. هذا وجه الكلام. فإن أردت أن تقول ولا بمنزلة من يشبهه جررت، وذلك قولك ما أنت كزيد ولا شبيهٍ به، فإنما أردت ولا كشبيهٍ به.
¥