[حول الإعراب]
ـ[المكي]ــــــــ[19 - 01 - 2006, 04:33 م]ـ
(1)
1 - الدعوة إلى التجديد: قراءة في الأسباب:
لم يتعرض أي من جوانب اللغة العربية للنقد والاتهام كما تعرض النحو العربي، فقد هوجم علماؤه، وسفهت قواعده، ووصمت كتبه بأقبح الصفات!
فقد عزا الدكتور شوقي ضيف عجز العربي وقصوره في لغته إلى " النحو الذي يقدم للناشئة، والذي يرهقها بكثرة أبوابه وتفريعاته (1)
ورمى إبراهيم مصطفي النحويين بأنهم جنوا على النحو، إذ ضيقوا حدوده، وسلكوا به طريقا منحرفا إلى غاية قاصرة، وضيعوا كثيرا من أحكام الكلام وأسرار تأليف العبارة (2)
وذهب عبد العزيز فهمي إلى أبعد من ذلك حين جعل مشقة دراسة النحو العربي تحمله " على الاعتقاد بأن اللغة العربية من أسباب تأخر الشرقيين، لأن قواعدها عسيرة ودرسها مضلل (3)
كما تمنى طه حسين - بعد أن وصف الإعراب بأنه مخيف جدا - أن يبرئه الله من عقابيل رفع الفاعل بالضمة، وبنائه على السكون، يوما ما (4)
ورأى أن هذا النحو لابد أن يتغير (5) لأنه من الخطأ - في رأيه - أن نأخذ عقول الشباب بتعلمه، والخضوع لمشكلاته وعسره والتوائه (6)
كما رأى آخرون أن هذا النحو لم يوضع بطريقة علمية صحيحة، ولم يتّبع فيه العلماء الأقدمون المنهج العلمي الذي يرون أن الالتزام به كان أدعى إلى الدقة والضبط.
وكتب زكريا أوزون كتابه " جناية سيبويه: الرفض التام لما في النحو من الأوهام "
وكتب أحمد درويش كتابه " إنقاذ اللغة من أيدي النحاة "
ورأى المعتدلون ضرورة المراجعة، يقول أحمد حسن الزيات: " وأول ما يجب على المجمع أن ينظر فيه هو توجيه القائمين على تعليم العربية إلى إصلاح الطريقة التي تعلم بها اللغة، فإنها لا تزال تعلم باعتبارها ألفاظا مفردة وقواعد مجردة، لا تتصل بالعقل ولا بالنفس ولا بالحياة " (7)
ورأى محمد عبده طريق اكتساب اللغة العربية شاقا فـ " ما أحوج العربي إلى تعلم ما يحتاج إليه من لغته، لكن ما أشق العمل، وما أوعر الطريق وما أكثر العقبات في طريق العربي الساعي إلى تحصيل ملكة لسانه، يُفنِي عمره وهو لا يزال يضرب برجليه في أول الطريق! (8)
إذن فأزمة العربية ونحوها أمر لا يسع المنصف إنكاره أو التهوين من خطره، وهناك إجماع من المشتغلين بالدرس النحوي والقائمين على شؤون التعليم على أن في النحو العربي صعوبة وجفافا يحول دون التعلم السليم ... على الرغم من الجهود الجبارة التي يبذلونها، أفرادا ومؤسسات (9)
لقد كان لهذه الحملات التي شنت على النحو العربي - بغض النظر عن طبيعتها وأهدافها - أكبر الأثر في توجيه الإصلاح النحوي في العصر الحديث.
وهذا لا يعني أن القدامى لم يكونوا على علم بما تضمنه النحو من صعوبات فقد أدركوا أن بعض مصادره كانت تعاني من الاضطراب في تتالي الأبواب، و في توزيع جزئيات الباب الواحد، فضلا عن الغموض في العناوين، مع غياب الدقة في المصطلحات وصعوبة الاهتداء إلى مسائل النحو، وعدم التطابق بين العنوان وما تحته، ويمثل كتاب سيبويه خير نموذج لهذه الأحكام، مع أنه يمثل أكمل وأنضج محاولة في التأليف النحوي قديما وحديثا! (10)
فقد روى المبرد عن المازني أنه قال:" قرأ علي رجل كتاب سيبويه في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا (11)
ولهذا انبرى الخلق لشرح هذا الكتاب والتعليق عليه وشرح عيونه وغريبه ونكته والاستدراك على ما فاته من الأبنية ...
كما تعاني معظم كتب النحو من الطول المفرط الناشئ عن التكرار والاستطراد والحشو ومعالجة المسائل الأجنبية التي لا صلة لها بالنحو، فضلا عن الشغف بالمناقشات والجدل والإغراق في تتبع العلل والإكثار من التقسيمات والتفريعات (12)
ومن نماذج ذلك على سبيل المثال، أن الأشموني أوصل معمول الصفة المشبهة إلى اثنين وسبعين 72 صورة، منها جائز وممتنع، ولكن الصبان أبى إلا أن يبزّ الأشموني في عدد الأقسام، فأوصلها مع تحري الدقة والأمانة إلى 14256 صورة (13)
لم تغب هذه الصعوبات ومثيلاتها عن إدراك القدامى أنفسهم، فقد استجابوا تلقائيا لدعوة التيسير على مر القرون - على المستويين النظري والتطبيقي- فكانوا يؤلفون المؤلفات الضخمة للمتخصصين، ويؤلفون للناشئة متونا ومختصرات مهذبة.
¥