(أ) أن يكونَ المبتدأ صَرِيحاً في القَسَم (أي لا يستعمل إلاّ في القسم، ويفهم منه القسم قبل ذكرِ المقسَم عليه، فإن قلت: "عَهْدُ اللّه لأكافئنك" جاز إثبات الخبر لعدم صراحة القسم، إذ يمكن أن يستعمل في غيره نحو "عهد الله يجب الوفاء به") نحو "لَعَمْرُكَ لأقومَنَّ" و "ايمُنُ اللهِ لأجَاهِدَنَّ" أي لعمرُك قسمي، وايمُنُ اللهِ يَمِيني، وإنما وَجَبَ حَذفُه لسَدِّ جَوابِ القَسَمِ مَسَدَّهُ.
(ب) أنْ يَكونَ المُبْتَدأ مَعْطُوفاً عليه اسْمٌ بوَاوٍ هي نَصٌّ في المَعِيَّة نحو "كُلُّ رَجُلٍ وضيعَتُه" (وإعرابها: "كل" مبتدأ "رجل" مضاف إليه و "ضيعته" معطوف بالواو على "كل" والخبر محذوف وجوباً التقدير: مَقْرُونان) ولو قلت "زيدٌ وعمرو" وأَرَدْتَ الإخباء باقْتِرانهما جازَ حذفُ الخَبَر اعتماداً على أنَّ السامعَ يَفْهَمُ من اقْتِصَارِكَ معنى الاقْتِرَان، وجاز ذكرُ الخبر لعدمِ التَّنْصِيصِ على المعيَّة قال الفرزْدقُ:
تَمَنَّوا ليَ الموتَ الذي يَشْعَبُ الفَتى * وكلُّ امرئٍ والمَوْتُ يَلْتَقِيانِ
(يشعب: يفرق)
فآثر ذِكرَ الخبرِ وهو يَلْتَقِيانِ.
(جـ): أنْ يكونَ الخبرُ كوناً مُطْلَقاً (وإيضاح الكون المطلق أن يقال: إن كان امتناع الجواب لمجرَّد وجود المبتدأ كون مطلق ويقابله الكون المقيد، كما إذا قيل: "هل زيد محسن إليك" فتقول "لولا زيد لهلكت" تريد: لولا إحسان زيد إليَّ لهلكت، فإحسان زيد مانع لهلاكي، فالخبر كون مقيدٌ بالإحسان والأصل في معنى "لولا" أنها حرف امتناع لوجود، وهو الوجود المطلق).
و "المُبْتَدَأ بعدَ لَوْلا نحو "لَولا العُلَماءُ لهَلَكَ العَوَام" فالهَلاَكُ مُمْتَنعٌ لِوُجودِ العُلَمَاءِ، فالعُلَماءُ مُبْتَدأ وخَبرُهُ مَحْذُوفٌ وجُوباً، التَّقْدِير: لولا العلماءُ مَوجُودون لَهَلكَ العوام، وإنْ كان الخبرُ كوناً مقيَّداً وجَبَ ذكْرُه إن فُقِد دليلُه كقوله: "لولا زيدٌ سَالَمنا ما سَلم" (فـ "زيد" مبتدأ وجملة "سالمنا" خبره، وإنما ذكر الخبر هنا، لأن وجود زيد مقيد بالمُسَالَمَة ولا دليل - إن حذف الخبر - على خصوصيتهما) وفي الحديث: (لولا قَومُكِ حَديثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَبَنَيْتُ الكعبة على قَواعِدٍ إبراهيم) (لفظ الحديث كما روي في صحيح مسلم (لولا أن قومَك حديثو عهد بجاهلية أو قال بكفر لأَنْفَقْت كَنْزَ الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها من الحجر) ورواية الترمذي (لولا أن قومك حديثو الحديث) وفي رواية مسلم: (لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)).
وجاز الوَجْهان إنْ وُجِدَ الدَّليل نحو: "لَولا أنْصَارُ زيدٍ حَموْهُ ما سَلِم" ويجوزُ
"لولا أنصارُ زيدٍ ما سَلِم" فجملة "حَمَوه" خبر المبتدأ ويجوزُ حذف الخبرِ في المثال الثانِي وهو: "لَوْلا أنصارُ زيدٍ ما سلم".
فالمبتدأ دالٌّ على الحِمايةِ إذْ مِنْ شأنِ النَاصِرِ أن يَحْمِيَ مَنْ ينصرُه، ومنه قولُ أبي العلاء يصفُ سيفاً:
يُذِيبُ الرُّعْبُ منه كُلَّ عضْبٍ * فلَولا الغِمْدُ يُمسِكه لسالا
("يمسكه" خبر الغمد وهو كون مقيد بالإمساك، والمبتدأ دالٌّ عليه، إذ مِنْ شَأن غمدِ السَّيْف إمْسَاكه، و "يذيب" نقيض يَجْمِدُ، "العَضْبُ" السَّيف القاطع، "الغمدُ" غِلاف السيف) وجمهورٌ من النحويين يوجبُ حذف الخَبَر بعدَ "لولا" مًطْلقاً، بناء على أنه لا يكون إلاَّ كونا مطلقاً، وأوجَبُوا جعلَ الكونِ الخاصِّ مبتدأ فيقال في: "لَوْلا زيدٌ سالَمنَا ما سَلِم" لولا مُسالمةُ زيدٍ إيَّانَا أي مَوْجُودة، ولحَّنوا المعري، وقالوا: الحديث مَروِيٌّ بالمعنَى (مر قريباً الحديث والتعليق عليه).
(د) أنْ يُغنِي عن الخَبَر حالٌ لا تَصِحَّ أنْ تكونَ خَبَراً نحو "مَدْحيَ العالمَ عَامِلاً" (مدحي مبتدأ، وهو مصدر مضاف إلى فاعله و "العالم" مفعوله و "عاملا" حال من العالم، وهذه الحال لا تصح خبراً إذ لا يقال: مدحي عامل، فالخبر ظرف زمان متعلق بمحذوف والتقدير: حاصل إذْ كانَ عاملاً) (أقْربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهُو سَاجِدٌ) "أَحْسَنُ كلامِ الرَّجُلِ متأنياً" التقديرُ: مَدْحي العالِمَ إذ كان (التقدير: بـ "إذ" عند إرادة المضي وبـ "إذا" عند إرادة الاستقبال) أو إذا كان عامِلاً وكذا الباقي ولا يغني الحال عن الخبر إلاَّ إذا كانَ المُبْتَدأ مَصْدراً مُضَافاً لِمَعْمُوله كالمِثَال الأوَّل أو أَفْعل التفضيل مُضَافاً لمصدَرٍ مُؤوَّلٍ كالمثالِ الثاني أو صريحٍ كالمثالِ الثالث، فلا يجوز: مَدْحي العالمَ مفيداً بالنصب لصلاحية الحال للخبَرية، فالرفع هنا واجب وشذَّ قولهم: "حُكْمُكَ مُسَمَّطاً. " (قالَه قومٌ لرجُلٍ حكَّمُوه وأَجَازُوا حكمه ومعناه: نافِذٌ مثبت والقياس رفعُه لصلاحِيته للخبرية ولكنه نصب على الحال، وعلى النصب الخبر محذوف، التقدير: حكمك لك مثبتاً).
[14] تعدُّدُ الخبر:
الأصحُّ جوازُ تعدُّدِ الخبرِ لفظاً ومَعْنَىً لِمُبْتَدأ واحِدٍ نحو "عَلِيٌّ حَافِظٌ شَاعِرٌ كاتِبٌ رَاوِيةٌ أديبٌ" ومثلُه قولُه تعالى: {وهُو الغَفُورُ الودُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ} (الآيتان 14 - 15 - من سورة البروج "85").
والذي يمنعُ جواز تَعَدُّدِ الخبر يُقدِّرُ "هُو" للثاني والثالث من الأخبار، وليس مِن تعدُّدِ الأخبار. قولُ طَرَفَة:
يَداكَ يَدٌ خَيرُها يُرْتَجَى * وأُخْرى لأَعْدَائها غَائِظَة
لأنَّ "يَدَاكَ" في قُوَّة مُبْتَدأيْنِ لكلِّ منهما خَبَرٌ ولا نحو قولهم: "الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ" لأنَّهما بمعنى خَبرٍ واحدٍ، تقديرُهُ "مُزٌّ" ولهذا يَمْتَنعُ العَطْفُ، وإن تَوسَّطَ المُبْتَدَأ بينَهما، أي نحو حُلْوٌ الرُّمَّانُ حَامِضٌ".
(معجم قواعد اللغة العربية للشيخ عبد الغني الدقر)
¥