نلاحظ في الشاهد الأول أن القتال و هو المقصود بسؤالهم ليس بعضا من (الشهر الحرام) و لكنه معنى متصل به، و دلالة الشهر الحرام تتسع لتشمل هذا المعنى وغيره من المعاني المتصلة بالحرمة والمناسك وغيرها، لذلك فكلمة (قتال) هنا بدل اشتمال، والضمير الرابط هنا بارز متصل بحرف الجر بعده وهو الهاء في (فيه)،
وفي الشاهد الثاني نجد أن كلمة (النار) بدل اشتمال من كلمة (الأخدود) لأنها ليست جزءا منه وإنما مما يشتمل عليه، والضمير الرابط هنا مستتر مقدر أي: النار فيه.
4 - بدل المباينة: وهو ما كان فيه التابع (البدل) مخالفا أو مباينا للمتبوع (المبدل منه) وهو على ثلاثة أنواع: بدل الإضراب، و بدل الغلط، وبدل النسيان، وذلك من مثل قول الشاعر:
تحسس ليث الغاب يبغي فريسة ... فجرجر في ظلمائه حية حبلاً
يصف الشاعر في البيت السابق الليث وهو يتحسس في الغاب ليصطاد فريسة، و إذا هو يجرجر حية (المبدل منه) (حبلا) البدل، وهنا نجد أن الحبل مخالف ومباين للحية؛ لذلك سمي بدل المباينة، ويبقى أن نحدد أي نوع من أنواع بدل المباينة الثلاثة، والذي يحدد نوع بدل المباينة هو مراد المتكلم وهو الشاعر هنا،- فإذا كان الشاعر يريد أن الليث قد جرجر (حية) ثم بدا له أن يضيف جديدا فيكون قد جرجر (حبلا) أيضا فيكون قد قصد الأمرين معا يكون هذا (بدل الإضراب)، و إذا كان الشاعر قد قصد الثاني (حبلا) فأخطأ في ذكر الأول (حية) سمي (بدل الغلط)، وإذا قصد الثاني (حبلا) فنسي فذكر الأول (حية) ثم تذكر ما يريد فغاد لذكره سمي (بدل النسيان).
أحكامه:
أ*- البدل يتبع المبدل منه في الإعراب رفعا و نصبا و جرا.
ب*- في البدل المطابق يجب الإتباع في العدد (الإفراد و التثنية و الجمع) والتذكير و التأنيث ما لم يمنع مانع كالتفصيل كقوله تعالى: " فجعل منه الزوجين الذكرَ و الأنثى" فنلاحظ أن المبدل منه (الزوجين) جاء مثنى و جاء البدل (الذكر) مفردا لأجل التفصيل و هو بدل (كل من كل)، ولا يشترط ذلك في سائر أنواع البدل، ولا يشترط في البدل بأنواعه الأربعة الاتفاق مع المبدل منه في التعريف والتنكير.
و مثال ذلك في القرآن قوله تعالى:
- " وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعامُ مسكين". البقرة 184 (بدل نكرة من نكرة)
ونلاحظ أن البدل (طعام) تبع المبدل منه (فدية) في الرفع.
- " اهدنا الصراطَ المستقيم * صراطَ الذين أنعمت عليهم ". الفاتحة 6 - 7 (بدل معرفة من معرفة)
و نلاحظ أن البدل (صراط) المبدل منه (الصراط) في النصب.
- "كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصيةِ * ناصيةٍ كاذبة خاطئة". العلق 15 - 16 (بدل نكرة من معرفة)
و نلاحظ أن البدل (ناصية) تبع المبدل منه (الناصية) في الجر.
- " وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم *صراطِ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض". الشورى 52 - 53 (بدل معرفة من نكرة)
نلاحظ أن البدل (صراط) الثانية تبع المبدل منه (صراط) الأولى في الجر أيضا.
إبدال الاسم الظاهر من الضمير إبدال الاسم:
في الأمثلة والشواهد السابقة كان كل من البدل والمبدل منه اسما ظاهرا، ويجوز إبدال الاسم الظاهر من الضمير الغائب و الحاضر (المتكلم و المخاطب) ولا يكون ذلك في بدل المباينة، ومثال البدل من الضمير الغائب:
- زره محمداً (بدل مطابقة)
- قبله رأسَه (بدل بعض من كل)
- اعرفه فضلَه (بدل اشتمال)
ومثال البدل من الضمير الحاضر (المتكلم و المخاطب): قال تعالى:
- " قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولِنا و آخرنا و آية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين". المائدة 114
- " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر وذكر الله كثيرا ". الأحزاب 21
- ويقول النابغة الجعدي:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
¥