وإنّما قُلْتُ (في بداية جُمْلةٍ)، مع أنّ أحداً لمْ يُصَرِّح بها (في حدود ما تتبّعْتُ)، لأنّنا نسْتبعد جدّاً أنْ يكون أحدٌ من النّحاة يرى أنّ الهمْزة يجب كسْرها في مثْل قوْلنا: (قال زيدٌ: عرفْتُ أنّ زيداً قائمٌ) لمجرَّد أنّها وقعتْ في جُمْلةٍ هي بعْد القوْل!!
وعلى كلّ حالٍ، فهذه هي الصّورة الحقيقيّة للمسألة التي نحن بصدد البحث عنها ..
وإذا بلغ هذا من الوضوح درجةً ما ............
يتبع .............................
ـ[عاملة]ــــــــ[11 - 04 - 2007, 02:39 م]ـ
..............................
وإذا بلغ هذا من الوضوح درجةً ما، استطعْنا أنْ نكتشف السّرّ في قيام ابن النّاظم بانتخاب هذا التفسير، فإنّ القوْل بأنّ الباء في عبارة ابن مالك (أو حُكِيَتْ بالقوْل) لو كانتْ للمعيّة والمصاحبة، لكان معنى الجُمْلة هكذا: يجب كسْر همْزة إنّ إذا وقعتْ في جُمْلةٍ حكاها المتكلِّم وذَكَر معها كلمة (القوْل) أو واحداً من مشتقّاتها.
فعندما نقول: (في جُمْلةٍ حكاها المتكلِّم)، أو: (في جُمْلةٍ محْكيّةٍ)، فهذا يعْني أنّنا نفْترض أنّ هذه الجُمْلة التي تلفَّظ بها القائل، ليستْ جُمْلةً تلفَّظ بها هو لأجْل أنّه يُريد التعبير بها عن مسألةٍ ما نيابةً عن نفْسه، بل إنّما هي جُمْلةٌ سمعها هو من الغيْر، وأراد أنْ ينقلها لنا نيابةً عن ذلك الغيْر، وهذا هو معنى (الحكاية)، ألا ترى أنّ الذي يتكلّم من تلْقاء نفْسه لا يُقال له: إنّه يَحْكي، ولا يُقال لفعْله: إنّه حكايةٌ؟! وإنّما يُسَمَّى فعْله (حكايةً) عندما لا يكون مقصوده من الكلام هو التعبير عمّا يدور في خُلْده أوما يَخْتلج في داخل نفْسه، بل فقط فيما إذا كان يَنْقل الكلام عن الآخرين وعلى لسانهم هُمْ ..
والذي نعْرفه، أنّ الإنسان إذا أراد أنْ يَنْقل لنا الكلام عن الآخَرين، فإنّه تارةً يُصَدِّر حكايته بلفْظ (القوْل)، وأُخْرى ينْقل لنا الكلام ولكنْ من دون أنْ يجْعل لفْظ (القوْل) على رأْس الكلام الذي يتلفّظ به .. مثلاً: إذا قال أحد جيراننا: إنّ والدي طبيبٌ، وأردْتُ أنا أنْ أنقل هذا الكلام لشخْصٍ ثالث، فإنّ هناك طريقتيْن يُمْكن لي أنْ أتّبعهما:
الطّريقة الأُولى: أنْ أقول: (قال جارنا: إنّ والدي طبيبٌ).
والطّريقة الثانية: أنْ أقول مباشرةً: (إنّ والدي طبيبٌ).
ومقصودي في الحالتيْن واحدٌ، وهو أنّ والد جارنا هو الطّبيب، لا والدي أنا، غاية الأمر: أنّني في الحالة الأُولى نقلْتُ كلام الجار ونصصْتُ على أنّ هذا الكلام له وليس لي، وأنّه هو صاحبه ولسْتُ أنا. وأمّا في الحالة الثانية فإنّي قد اكْتفيْتُ بنقْل كلامه من دون أنْ أتعرَّض لقائله ومن دون أنْ أُسَمّيه ومن دون أنْ أذْكر مَنْ هو صاحب هذا الكلام. ففي كلْتا الحالتيْن يوجد (حكايةٌ)، لأنّه في كلْتا الحالتيْن الكلام الصّادر منّي منقولٌ على لساني عن الآخرين، وليس صادراً عنّي من تلْقاء نفْسي ..
فإذنْ، الحكاية قد يُرافقها لفْظ (القوْل) أو أحد مشْتقّاته، وقد لا يكون بصُحْبتها لفْظ (القوْل) ولا شيءٌ من مشتقّاته ..
ولكنّ الهمْزة في (إنّ) لا يجب كسْرها في الجُمْلة المحْكيّة، إلاّ إذا كانت الحكاية من قبيل الطّريقة الأُولى، وأمّا في الطّريقة الثانية، فلا يكون الكسْر واجباً لأجْل الحكاية، بل إذا وجب، فإنّما يجب لسببٍ آخر، كالوقوع في ابتداء الكلام مثلاً ..
ونلاحظ: أنّ الحكاية في الحالتيْن مُسَبَّبةٌ عن القوْل الذي أنا قُلْتُه، أي: عن الكلام الذي تلفّظْتُ به وجرى على لساني، إذْ لولا أنّني استعنْتُ بهذا الكلام لَما استطعْتُ أنْ أَحْكيَ العبارة التي قالها جاري في حقّ والده ..
وهذا يُوصلنا إلى استنتاج أمريْن:
أ*. أنّ السّبب الذي استعنْتُ به لإيجاد الحكاية هو القوْل والتلفّظ، فدائماً حيْث يُوجَد حكايةٌ يُوجَد قوْلٌ وتلفّظ، وإلاّ لَما كانت الحكاية مُمْكنةً.
ب*. أنّ الحكاية يجوز أنْ تُوجَد ولا يكون لفْظ (القوْل) ولا شيءٌ من مشتقّاته موْجوداً في الكلام.
ج. أنّ وجوب الكسْر لأجْل الحكاية إنّما يتحقّق لو كان لفْظ (القوْل) أو أحد مُشْتقّاته متوفّراً وموجوداً في الكلام.
فهنا، لو أنّ النّاظم في عبارته: (أو حُكِيَتْ بالقوْل)، جعل (الباء) للاستعانة أو للسّببيّة، لَما كانتْ هذه العبارة دالّةً على لزوم وجود لفْظ (القوْل) في الكلام، بل جاز أنْ يكون لديْنا حكايةٌ من دون أنْ يُصاحبها لفْظ (القوْل)، وهي الطّريقة الثانية التي أشرْنا إليْها .. فيكون كلامه حينئذٍ دالاًّ على وجوب كسْر الهمْزة في جميع موارد الحكاية، حتّى لو كانتْ من قبيل الطّريقة الثانية، وإنّه غير صحيحٍ ..
فلذلك لجأ ابن النّاظم إلى تفْسير هذه الباء بأنّها باء المصاحبة والمعيّة، لأنّها الباء الوحيدة التي تدلّ على هذا المطْلب بشكْلٍ صحيحٍ ودقيق .. والله العالِم بالصّواب ..
وأيضاً يتبع ...........................
(أرجو من أصحاب العقول النّيّرة التعليق للاستفادة .. )
¥