أرشيف منتدى الفصيح - 1

وأظهرت هذه الأزمة أيضا: ضعف أداء الحكومة المصرية، فليس ثم إلا القبضة الأمنية الحديية التي تسير بها الأمور، ولو داخلها ما داخلها من الفساد والاضطراب، فالمهم أن تستقر الأحوال ولو ظاهرا دون علاج لأصول المشكلات التي نعاني منها، ورب ضارة نافعة، فإنها قد تكون مع ما ينال المصريين من أذاها وعدوانها وطغيان أفرادها وإن قلت رتبهم وهيئاتهم إحساسا منهم بالدور الكبير الذي وكل إليهم في إلجام الجماهير، قد تكون مع كل ذلك سببا في حفظ السلم الاجتماعي، ولو بالعافية كما يقال عندنا في مصر، فدولة عرجاء خير من لا دولة أصلا، وقد رأينا طرفا من ذلك في العراق بعد سقوط النظام السابق فانقلب لاعنوه بالأمس مداحين له اليوم لما رأوا فساد الحال بغياب السلطان ولو كان جائرا وليس ذلك تقريرا للظلم وإنما هو ترجيح بين المفاسد بدرء العظمى باحتمال الصغرى، فليس ثم مصلحة في كلا الحالين!.

ولك أن تتخيل هذا الضعف مع أن النسيج الاجتماعي في مصر متماسك فالمسلمون كلهم على مذهب واحد إلا عشرات أو مئات لا يعتد بخلافهم، ومعظم النصارى على انقساماتهم الداخلية: أرثوذكس، وليس بين النسبتين تقارب يبرر وجود صراع: 94 % في مقابل 6 %، وهذه ظروف يفترض أن يكون المجتمع فيها مستقرا، ومع ذلك فشلت القيادة السياسية في علاج حالة الاحتقان بين الطرفين فضلا عن حالة الاحتقان العام في المشكلات العامة التي يشترك فيها الكل، فكيف لو كان المجتمع متعدد المذاهب والأعراق، وتظل التجربة العراقية شاهد عدل آخر على نتائج ما يروج له الغرب في بلادنا من التعددية الدينية والمذهبية والثقافية، وقد كانت تلك التعددية حصان طروادة الذي استقلته أمريكا لتغزو العراق فضلا عن فارس المتربصة بالعراق من أيام الفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا، فقد تولت كعادتها كبر الإفساد في العراق ثأرا من العرب في شخص الدولة العراقية العربية، وانتصارا للعجم من أحفاد عمر رضي الله عنه!. ولم نر منها عموما إلا إفسادا في مجتمعاتنا وإن تدثرت برداء التقريب المتهتك.

ولك أيضا أن تقارن بين دولة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة، وقد كانت دولة متعددة الطوائف إن صح التعبير: مسلمون: أوس وخزرج فضلا عن المنافقين الذين يأخذون حكم المسلمين في هذه الدار ما لم يستعلنوا بمكنون صدورهم كما هو حال كثير من العلمانيين الآن، ويهود يتوزعون على ثلاث طوائف، فد احتكروا الصناعات الاستراتيجية إن صح التعبير في المجتمع المدني كصناعة السلاح الذي أثاروا من أجل بيعه وتسويقه الفتنة بين الأوس والخزرج، كما تفعل الدول ذات الصناعات العسكرية المتقدمة الآن فكثير من الحروب الصغيرة ما هي إلا سوق لترويج ما تكدس في مخازنهم فضلا عن توفير فرص عمل بدوران عجلة التصنيع تلبية لاحتياجات السوق!، واحتكروا تجارة الذهب وهو أمر يعني سيطرتهم الاقتصادية على المجتمع المدني آنذاك، وهو يشبه إلى حد كبير سيطرة النصارى في مصر على بعض الأنشطة المهمة كالصيدلية والحاسب الآلي والاتصالات التي تدر دخلا مهما في ظل ركود على الجانب الآخر، والسنة الكونية قاضية بمنح التفوق لمن يأخذ بالسبب فلا تجامل أحدا ولا تظلم أحدا، وكان منهم كثير من أصحاب الأراضي الزراعية، فلهم تأثير في حركة السلع الاستراتيجية في المجتمع المدني، ومع كل هذا الاضطراب الداخلي، ومع تربص العدو الخارجي سواء أكان قريش أم بقية القبائل العربية فضلا عن نظر القوى العظمى آنذاك فارس والروم بعين التوجس للدولة الوليدة لا سيما بعد بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسله إليهم، ومع ضعف الجانب العسكري والذي ظهر بوضوح في غزوة بدر، والجانب الاقتصادي الذي ظهر بوضوح في غزوة الخندق لما نفدت المؤن قبل نصر الرب، جل وعلا، لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بريح الصبا بعد أن بذل السبب واستفرغ الجهد برسم التعبد والديانة فحقق مقام التوكل كما أراد الرب جل وعلا فاستحق النصر بالأسباب المغيبة بعد أن استنفد الأسباب المشهودة، مع كل ما تقدم نجح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قيادة هذه الدولة الوليدة إلى بر الأمان بكفاءة منقطعة النظير ونجح خلفاؤه من بعده في إكمال ما بدأه فحملوا الرسالة الخاتمة إلى سائر الأمم في زمن قياسي أذهل دارسي

¥