تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التَّاسِع، والعَاشِر: وهو أنَّ قَوله تعالى: (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إنّمَا ذَلك على طَرِيق الاسْتِثْنَاء الذي نَدَب الشَّرْع إلى اسْتِعْمَالِه في كُلّ كَلام، فهو عَلى حَدّ قَوله تَعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ)، فهو اسْتِثْنَاء في واجِب، وهَذا الاسْتِثْنَاء في حُكْم الشَّرْط كَذلك، كَأنه قَال: إنْ شَاء رَبُّك. فَلَيْس يُوصَف بِمُتَّصِل ولا مُنْقَطِع، ويُؤيِّدُه ويُقُوِّيه قَوله تَعالى: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ). ونَحوه عن أبي عبيد، قال: تَقَدَّمَتْ عَزِيمة الْمَشْيئة مِن الله تَعَالى في خُلُود الفَرِيقَيْن في الدَّارَين، فَوَقَع لَفْظ الاسْتِثْنَاء، والعَزِيمة قد تَقَدّمَتْ في الْخُلُود.

وقول حَادِي عشر: وهو أنَّ الأشْقِيَاء هُم السُّعَدَاء! والسُّعَدَاء هم الأشْقِيَاء لا غيرهم، والاسْتِثْنَاء في الْمَوْضِعِيْن رَاجِع إلَيهم، وبَيَانُه: أنَّ (مَا) بِمْعَنْى " مَن " اسْتَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلّ مِن الدَّاخِلِين في النَّار الْمُخَلَّدِين فِيها الذِين يُخْرَجُون مِنها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بما مَعَهم مِن الإيمان، واسْتَثْنَى مِن الدَّاخِلِين في الْجَنَّة الْمُخَلَّدِين فِيها، الذين يَدخلون النار بِذُنُوبهم قَبْل دُخُول الْجَنَّة، ثم يُخْرَجُون مِنها إلى الْجَنَّة، وهُم الذين وَقَع عليهم الاسْتِثْنَاء الثَّاني، كَأنه قَال تَعالى: فأمَّا الذِين شَقُوا فَفِي النَّار لَهُم فِيها زَفِير وشَهِيق خَالِدين فِيها مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض إلاَّ مَا شَاء رَبُّك ألاَّ يُخَلِّده فِيها، وهم الْخُارِجُون مِنْها مِن أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بِإيمانِهم وبِشَفَاعَة محمد صلى الله عليه وسلم، فَهم بِدُخُولِهم النَّار يُسَمَّون الأشْقِيَاء، وبِدُخُولِهم الْجَنَّة يُسَمَّون السُّعَدَاء، كما رَوى الضحاك عن ابن عباس إذ قال: الذين سُعِدُوا شَقُوا بِدُخُول النَّار ثم سُعِدُوا بالْخُرُوج مِنها ودُخُولِهم الْجَنَّة.

الجامع لأحكام القرآن (9/ 85 - 88) بتصرف واختصار.

ويَرَى شيخ المفسِّرين " ابن جرير " أنَّ آيَة " هُود " جَرَتْ على عَادَة العَرَب، " وذلك أنَّ العَرَب إذا أرَادَت أن تَصِف الشَّيء بالدَّوَام أبَدا قَالَتْ: هذا دَائم دَوَام السَّمَاوَات والأرْض، بِمَعْنِى: أنّه دَائم أبَدا ... فَخَاطَبَهم جَلّ ثَنَاؤه بِمَا يَتَعَارَفُونه بَيْنَهم، فَقَال: خَالِدِين في النَّار مَا دَامَت السَّمَاوَات والأرْض. والْمَعْنَى في ذلك: خَالِدِين فِيها أبَدًا ".

ثم ذَكَر ابن جرير الْخِلاف في الاسْتِثْنَاء، فَقَال: واخْتَلَف أهْل العِلْم والتَّأويل في مَعْنى ذلك، فَقَال بَعْضُهم: هَذا اسْتِثْنَاء اسْتَثْنَاه الله في أهْل التَّوحِيد أنه يُخْرِجُهم مِن النَّار إذا شَاء بَعْد أن أدْخَلَهم النَّار.

وقال آخَرُون: الاسْتِثْنَاء في هَذه الآيَة في أهْل التَّوحِيد، إلاَّ أنّهم قَالوا: مَعْنى قَوله (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) إلاَّ أن يَشَاء رَبُّك أن يَتَجَاوَز عنهم فَلا يُدْخِلُهم النَّار. ووَجَّهُوا الاسْتِثْنَاء إلى أنّه مِن قَوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ) - (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا مِن الْخُلُود.

وقال آخَرُون: عُنِي بِذلك أهْل النَّار، وكُلّ مَن دَخَلَها.

وقال آخَرُون: أخْبَرَنا الله بِمَشِيئتِه لأهْل الْجَنَّة، فَعَرَّفَنا مَعْنَى ثُنْيَاه بِقَولِه: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أنّهَا الزِّيَادَة على مِقْدَار مُدَّة السَّمَاوَات والأرْض. قَال: ولَم يُخْبِرنا بِمَشِيئتِه في أهْل النَّار، وجَائز أن تَكُون مَشِيئتُه في الزِّيَادَة، وجَائز أن تَكُون في النُّقْصَان.

وأوْلَى هَذه الأقْوَال في تَأويل هَذه الآيَة بِالصَّوَاب - عند ابن جرير - " أنَّ ذلك اسْتِثْنَاء في أهْل التَّوحِيد مِن أهْل الكَبَائر أنه يُدْخِلُهم النَّار خَالِدِين فِيها أبِدًا إلاَّ مَا شَاء مِن تَرْكِهم فِيها أقلّ مِن ذلك، ثم يُخْرِجُهم فَيُدْخِلهم الْجَنَّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير