واليوم صرت أوجّه عملائي إلى البحث عن سلوكٍ واحد يؤدّي تغييره إلى أكبر أثرٍ إيجابيّ في شخصياتهم والتركيز على ذلك السلوك.
إن أفلحنا في اختيار منطقة التغيير الصحيحة وقمنا بالتغيير فعلاً فلا بدّ من أن يؤثّر هذا في الجوانب الأخرى من علاقتنا وتعاملنا مع الناس. مثلاً: تمكّنك من الإصغاء بفاعليةٍ أكبر سوف يجعلك أكثر نجاحاً في بناء العمل الجماعيّ، وفي زيادة رضا العملاء، وفي معاملة الناس باحترام.
التمرين المدهش
صديقي ناثانيل براندين أخصائي نفساني ومؤلّف لنحو عشرين كتاباً، لديه تمرين رائع يساعد الناس على تحديد الخصال التي يولّد تغييرها الأثر الأكبر لأنّه ييسّر لهم إدراك فوائد التغيير. وهذه هي طريقته في مساعدة الناس على تقرير كم هو مجدٍ القيام بالتغيير:
• يجلس ما بين خمسة إلى ثمانية أشخاص حول الطاولة ويختار كلٌ منهم ممارسةً معينةً ينبغي تغييرها. يبدأ أحدهم التمرين بالقول "عندما أتحسّن في: كذا .. " ويذكر فائدةً واحدةً من فوائد ذلك التغيير. مثلاً: يقول أحدهم "عندما أتحسّن في الانفتاح على الآراء المخالفة سأحصل على المزيد من الأفكار الرائعة"
• بعد أن يأتي لكلٍ من الجالسين على الطاولة دوره لعرض سلوكه المعيّن والفائدة الأولى لتغيير ذلك السلوك تبدأ الدورة من جديد. والمطلوب الآن أن يذكر كل شخص فائدةً ثانيةً يمكن تحصيلها من إنجاز التغيير في السلوك نفسه. وبعدئذٍ تاتي دورةٌ ثالثة ورابعة ليصل العدد في العادة إلى ما بين ست وثمان دورات.
وفي النهاية يناقش الجالسون على الطاولة ما تعلّموه ويستعرضون تفاعلهم مع التمرين.
عندما شرح لي براندين التمرين أول مرة التزمت باللباقة فلم أنطلق في التعبير عن شكوكي. ولم أخبره بأنني لا أكاد أرى قيمةً لمجرّد الجلوس وتكرار فوائد التغيير واحدةً بعد أخرى .. ولكن شكّي واستخفافي سرعان ما تبدّدت عندما رأيت تطبيق العملية في الواقع.
تأثّر حتّى البكاء ..
كنت وصديقي ناثانيل نعمل "ميسّرين" في مؤتمرٍ كبير يحضره حشدٌ من القادة المرموقين في مؤسسات الأعمال، والحكومة، والمؤسسات غير الربحية، والجيش.
(الميسّر facilitator: اختصاصيّ يعمل في المؤسسات والاجتماعات كطرفٍ حياديّ لا يدعم أيّ فكرةٍ أو اتجاه معيّن وإنّما يقوم بإرشاد الحاضرين إلى طرق التواصل والتفاعل والتفكير المولّدة لأفضل النتائج .. ).
جلسَ إلى جواري مباشرةً قائد عسكري رفيع الرتبة مسؤولٌ عن قطعاتٍ عسكرية ضخمة. كان مفرطاً في محاكمة الأفكار والأشخاص وإصدار انتقاداته وتقييماته القطعية بل وكان يبدو مزهواً بهذه الخصلة.
فعندما كان حضور المؤتمر يناقشون موضوع الشخصية قال هذا القائد العسكري: أحترم المؤسسات والناس الذين لديهم شخصيات أصيلة ثابتة ذات قيم أصيلة ثابتة كشخصيتي. وأمّا الهراء الخاص بالمواقف النسبيّة فلا أقتنع به ولا أقيم له قيمة"
عندما بدأنا تمرين ناثانيل اختار صديقنا العسكريّ " الجرأة المفرطة في الانتقاد والحكم" كسلوكٍ يرجو تغييره.
كنت أشكّ في جدّيته وتابعت مشاركته في التمرين كفرجةٍ تستحقّ الاهتمام. وبالفعل، رأيت في دورة التمرين الأولى توقّعاتي تتحقّق وشاهدته يتنحنح ويصفّي حنجرته ويدلي بتعليقٍ متهكّم بدلاً من التحدّث بجديّة عن أوّل فائدةٍ يراها في التغيير المزعوم. ثم جاءت الدورة الثانية وأظهر صاحبنا مزيداً من الاستهتار ..
بعد ذلك تغيّر شيءٌ ما، فعندما بدأ يتحدّث عن الفائدة الثالثة توقفت نبرته الاستخفافيّة، و إثر دوراتٍ قليلة لاحقة بدأت عيناه تبرقان بدموعِ التأثّر المحبوسة وهو يقول "عندما أصبح أقلّ اندفاعاً وصرامةً في الانتقاد وإصدار الأحكام ربّما سيرجع أبنائي فيتحدّثون معي .. "
منذ ذلك اليوم وحتّى الآن أجريت هذا التمرين مع آلاف الأشخاص. كان كثيرٌ منهم يبدأ بفوائد قيّمة من منظور المؤسسة مثل "سيساعد هذا التغيير لمؤسستي تحصيل مزيد من الأرباح" ويختتم بفوائد أكثر إنسانيةً مثل "هذا التغيير سيجعلني شخصاً أفضل .. "
¥