تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قبل أن تبدأ، فمهما بلغت جودة الحل الشرعي، فهو مرفوض لمجرد أنه شرعي، فلا دور للدين في الحياة، فإنه بتلك الحلول يتسلل الإسلام إلى سدة الحكم، ليخيم الظلام من جديد، فالدين قرين الظلام في الوجدان الأوروبي، وهذا حق، وقد قاس عليه أهل الشرق الدين الخاتم، وهذا باطل، يشهد ببطلانه التاريخ، فهو، كما تقدم مرارا، شاهد العدل الذي لا يشهد زورا لأحد، وهل كان تقدم، وهل كان قبل ذلك احترام لآدمية البشر وحرياتهم الحقيقية، وهو ما نعاني منه الآن في معظم دول العالم الإسلامي التي تنتهك فيها حقوق الإنسان البدهية، هل كان شيء من ذلك التقدم وذلك الاحترام لآدية البشر بحفظ حرياتهم الدينية وعصمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم إلا في ظل حكم الإسلام، ولكنه التحامل وقلة الإنصاف.

ومن صور الدعاية أيضا:

القافلة اللبنانية التي يجري الإعداد لها الآن، فالأمر قد أخذ بعدا دينيا لاحظه كل من تابع تعليقات العضوات المشاركات فيه، فجلهن نصرانيات، فابتداء من الاسم، وليس اسم مريم البتول عليها السلام مما يوقع الحرج في نفوس المسلمين، وإنما يقع الحرج من حقيقة هذا الاسم عند النصارى، فتصورهم لمريم يباين تصورنا بطبيعة الحال فهي عندنا أم المسيح: عبد الله ورسوله، وهي عندهم: والدة الإله!، كما يقولون في صلواتهم، وانتهاء بصلوات القساوسة وتبريكاتهم على القافلة، ومحاولة الربط المعهود بين النصرانية والعمل الإغاثي الإنساني، ولم يكن شيء من ذلك حاضرا في قافلة الحرية، مع أنها كانت في الجملة ذات توجه إسلامي، ولكنها على الأقل حرصت على استقطاب شرفاء العالم من أصحاب الملل الأخرى دون مزايدة لكي تضمن للقضية عالمية، فلن يخلو العالم من أصحاب ضمائر، ولو كانوا كفارا، ففيهم فضلاء من أصحاب الخلق والنجدة والمروءة يمكن الاستفادة من جهودهم وتقديم الشكر لهم عليها، فليس ذلك مما يجد أي منصف حرجا منه في صدره، فإنه لا يمس ولاءه وبراءه بشيء، لانفكاك الجهة، بخلاف الرحلات التي تشبه الرحلات التبشيرية، وقد ساهم الإعلام العربي كعادته في ترسيخ هذا المعنى طوال الأيام الماضية، فيشعر المرء أنها سفينة تحمل مجموعة من الراهبات صواحب رسالة السلام النصرانية المزعومة، ولو كان لهذا الزعم حقيقة لأحسنوا وفادة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد لاقوا في الحرب الأهلية على أيديهم ما لاقوا، حتى استجازوا التحالف مع كيان يهود اللقيط لضرب التجمعات الفلسطينية في لبنان للحفاظ على التركيبة السكانية، وأحوال الفلسطينيين إلى يوم الناس هذا في مخيمات اللاجئين في لبنان لا تعكس حقيقة لهذا الحماس المبالغ فيه لنجدة أهل غزة، وعموما فإن الحجة جاهزة: من لم يقدر على ذلك، أو قدر فقعد تكاسلا أو تآمرا فلا يسمعنا صوته!، وباب الدعم لغزة الآن مفتوح على مصراعيه سواء أكان صاحبه صادقا أو مزايدا، وعلى المرء أن يسأل الرب، جل وعلا، السداد والتوفيق، ليميز الصادق من الكاذب.

ومن صور الدعاية أيضا:

شائعة مغرضة أشارت إليها فضائية الجزيرة، ساهمت في وقوع القتال الضاري الآن في جنوب قيرغيزيا بين أبناء الدين الواحد والقومية المختلفة من القيرغيز والأوزبك، فالغالبية قيرغيزية، والأقلية أوزبكية، ولكن في الجنوب تتعادل الكفتان، وهو ما يعطي الفرصة لإطالة أمد الصراع، فالندية قائمة بين الفريقين!، وهي شائعة أيقظت النعرات الجاهلية في المجتمع المسلم، فقد سرت شائعة اغتصاب أوزبكي لقيرغيزية!، فثارت نفوس القيرغيز وبدأ القتل والتنكيل بالأوزبك الذين هرب منهم من هرب إلى أوزبكستان: الجار الجنوبي، حتى أغلقت الحدود في وجوه البقية بعد عبور عدد كبير منهم الحدود كلاجئين، وهي شائعة تشبه شائعة اغتصاب مسلم إيجوري من تركستان الشرقية لصينية من قومية الهان، وقد كانت سببا في اندلاع الحملة الصينية الجائرة على المسلمين في تركستان الشرقية الصيف الماضي في مثل هذا التوقيت تقريبا، والأمر هنا قد يبدو مبررا، فقومية الهان الصينية لا تحب المسلمين بطبيعة الحال، وقد قتلوا منهم نحو 26 مليون إنسان في الفترة من 1949 إلى 1975 إن لم تخني الذاكرة، فالتحفز والترقب لأي خطأ، ولو لم يتم التأكد منه، هو مسلك الصين مع تركستان الشرقية، ولكن في دولة إسلامية يبدو إفناء المسلمين للمسلمين بسبب شائعة قبل التأكد من صحتها أمرا غريبا، ولو كانت حتى صحيحة، ولا يعني ذلك الرضا بذلك الجرم الفاحش، ولكنه أمر تتعارض فيه المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، فقد قتل إلى الآن رسميا 2000 مسلم، وذلك من بأس المسلمين الشديد بينهم، بينما لا نجد لهم بأسا مع عدوهم، وليس معنى ذلك الدعوة إلى اغتصاب نساء غير المسلمين، فالاغتصاب محرم أيا كانت الضحية، ولكننا لا نحسن الثورة إلا على أنفسنا، ولا زالت القوى العالمية تتحلى بضبط النفس كعادتها إلى الآن!، فطالما بقيت القواعد الروسية والأمريكية في مأمن، فلا داعي إلى التدخل العسكري، فيكفي إبداء القلق المعهود، فالقتلى على كل حال كلهم مسلمون فقد كفينا المؤنة ولله الحمد!، ولو كان الطرف المجني عليه أقلية غير مسلمة لقامت الدنيا ولم تقعد ولأرسلت قوات حفظ السلام في اليوم التالي مباشرة، ولا زالت القوى العالمية إلى الآن تجيد لعبة تقسم الدول الإسلامية وغير الإسلامية من مستعمراتها القديمة على نحو يضمن تقسيم القبائل والعرقيات بشكل متعمد لتكون مادة ثورة واضطراب مستمر يسوغ للقوى العالمية التدخل متى شاءت والاستفادة من هذا الوضع المتأزم قدر الإمكان فبين كل دولتين: نزاع حدودي، وفي داخل كل دولة، لا سيما في إفريقية السمراء: أكثر من انتماء قبلي يكفي لإيقاظ النعرة الجاهلية في الصدور عند اللزوم!.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير