تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الأمن والخوف]

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 06 - 2010, 12:28 م]ـ

يقول ابن خلدون، رحمه الله، تحت عنوان: "الفصل الثالث والأربعون:

في أن الظلم مؤذن بخراب العمران":

"اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك. وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيراً عاماً في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالأمال جملة بدخوله من جميع أبوابها. وإن كان الاعتداء يسيراً كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين. فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران، وانتقضت الأحوال ................ ، ويقول في موضع تال: العدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم .... يفضي إلى الخلل والفساد دفعة، وتنتقض الدولة سريعاً بما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى الانتقاض". اهـ بتصرف

فإذا فقد الأمان ضاعت كل لذة، وقتل كل طموح، فالخائف الذي لا يأمن على نفسه، لا يستطيع أن ينتج شيئا ينفع به دينه أو يعمر به دنياه، وفي ظل الخوف، وهو أمر لم تسلم منه معظم المجتمعات الإسلامية المعاصرة، لا سيما مع تسلط الحكومات الجائرة عليها، عقابا ربانيا نافذا فليس ثم رفع له إلا بالتوبة وأي توبة! وهو ما نعجز عنه كلنا تقريبا سواء على مستوى الجماعات أو الأفراد إلا من رحم الرب، جل وعلا، ولذلك فإن العقوبة تغلظ يوما بعد آخر، ففي ظل عقوبة الخوف الربانية، فـ: (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، في ظل هذه العقوبة النفسية المؤلمة التي تفوق العقوبة البدنية المؤذية، في ظل هذا الخوف تنمو مشاعر الأنانية، فكل ٌ يبحث عن حل لمشاكله الخاصة، ولو على حساب غيره، فمعاني الإيثار غائبة، ومعاني الأثرة حاضرة، ولا يدرك ذلك حق الإدراك إلا من ألقيت عليه تبعات جسام، وهو عاجز عن الوفاء بها، فليس أصحاب الأهل والذريات كالعزاب، وقد أصبحت العزوبة أو العنوسة المتعمدة!، إن صح التعبير، نمطا مألوفا في مجتمعات كان شعارها في الماضي: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ"، و: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"، فكان ذلك حالها لما تحقق لها الحد الأدنى من الأمن المفقود في زماننا، في دول تذهب معظم ميزانياتها إلى الأجهزة الأمنية!، وهي، كالحال في أي زمان غلب فيه الجور، سيف السلطان المسلط على رقاب البشر برسم الإرهاب والتخويف، فلا يقوم ملك جائر إلا بهذا السيف، فصارت تلك الجهات: مصدر الخوف مع تسميتها تجوزا: بقوى الأمن!، فالاسم والمسمى متضادان، بل متناقضان، فلا يكون نصر وتمكين، ولو لدولة مسلمة، إن كانت جائرة، وفي المقابل، وتلك من السنن الكونية النافذة، يكون النصر والتمكين الظاهر في هذه الدار لمن عدل في حكمه، ولو كان كافرا، فهو منصور لا لأخذه بالسبب الشرعي على جهة الديانة، وإنما لموافقته السنة الكونية، وفي صحيح مسلم: قال المستورد القرشي، عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ". فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة. وأوشكهم كرة بعد فرة. وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف. وخامسة حسنة وجميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك "، وهو الأمر الحاصل في زماننا، فلا يجرؤ ملك أو رئيس في الغرب الكافر عقيدة العادل حكما!، لا يملك أن يظلم آحاد رعيته، فكيف بمن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير