[عقلية التبرير]
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[22 - 06 - 2010, 03:25 ص]ـ
[عقلية التبرير]
لا تقتصر مناعة جسم الإنسان على مكافحة الأوبئة التي تصيب الجسم بل إن نظام مناعة الإنسان متنوع ضد كل الأخطار التي يواجهها الإنسان فيستطيع البدن مقاومة الأخطار المعنوية كما يقاوم الأخطار الحسية.
ومن الأخطار المعنوية في عقل بعض الناس ما يدعى " تأنيب الضمير " حيث كون له العقل مضادا يسمى " التبرير " يريحه من هذا الألم ويجعل أفعال الإنسان مقبولة ومنطقية عند مرتكبها مما يستدعي تكرارها دون أدنى شعور بالخطأ.
هذه العقلية مدمرة للعلاقات الإنسانية حين تكون حاضرة ولتوضيح ذلك حتى نرى اختلاف ردود الأفعال بين البشر أضرب لكم مثلا هذا الموقف.
(خرج عبد الله مسرعا من غرفته فاصطدم بأخته وهي تحمل له القهوة فسقطت منها وانكسرت آنيتها الخزفية فنظرت إليه نظرة وركزت عليه عينيها)
سيكون عبد الله صاحب أحد ردود الأفعال التالية:
الأول: فقال عبد الله: آسف عما حصل
الثاني: فقال عبد الله: آسف لم أعتقد أنك هنا – لم أنتبه – كنت مستعجلا
الثالث: فقال عبد الله: لم أعتقد أنك هنا – لم أنتبه – كنت مستعجلا (أزيلت كلمة آسف)
الرابع: فأكمل عبد الله سيره ولم يهتم بما حصل
الخامس: فنهرها عبد الله وقال: أنا لم أطلب قهوة وعليك الانتباه فأنا وقتي ضيق ومشغول كثيرا.
لعلكم لاحظتم أن الأخت لم تتكلم بكلمة مما يعني أن الموقف الأول كان كافيا للخروج من هذا الموقف وهذا لا يكون إلا إن سلم عبد الله من عقلية التبرير وأدرك خطأه وأصلح الموقف.
وربما شعر عبد الله بوخزة ضمير من نظرة أخته العادية في مثل هذا فسيستخدم عقلية التبرير استخداما جيدا مقبولا في الموقف الثاني
أما إن كان عبد الله مصابا بالتبرير فأولا سيحاول إثبات براءته بذكر تبريرات للحادث الذي وقع مما يجعله في غنى عن الاعتذار لا ليقنع نفسه بأنه لا يخطئ قصدا ولكن أراد ذكر تبريراته لأخته ليقنعها بذلك أيضا كما في الموقف الثالث
وربما عبد الله لا يهتم بما يعتقده الناس بل المهم أن يكون هو مقتنعا بأنه لا يخطئ فإذن لا حاجة لذكر التبرير لأحد فالعقل قدمه لنفسه واقتنع هو بذلك وكفى ليصبح في الموقف الرابع.
أما عندما يكون عبد الله مصابا بالتبرير إصابة متقدمة مستعصية فإن تبريره لخطئه يخوله معاقبة من جعله يرتكب الخطأ لذا يبحث عن التالي بعده في سلسلة المخطئين ليلقي كامل اللوم عليه لأن خطأه هو مغفور بسبب ما يقدمه من تبريرات وهذا هو صاحب الموقف الخامس.
وهو أشدها خطرا على العلاقات الإنسانية إذ قد تفضي إلى النبذ والإقصاء لاعتقاد المصاب بأن الجميع عقبات وعراقيل في سبيل تقدمه فهو إن رسب فليس لأنه لم يذاكر بل لأن الأستاذ معقد وصعب الأسئلة وإذا فشلت حياته الزوجية فلأن الزوجة لم تؤد واجباتها وإن لم يحصل على ترقية فلأن مديره سيئ ولا يقدر جهوده وهكذا.
ومن علامات المصاب بعقلية التبرير أنه لا يستطيع أن يقول آسف أو معذرة ولا يقدر على طلب العفو والمسامحة لأنه في نظر نفسه لم يخطئ أصلا فتجده يستغرب من اللائمين ويستنكر لومهم إذا ما أظهروا تعجبهم من فعلته فهو مصيب غير مخطئ
وقد تتطور الإصابة إلى مستوى أعلى منذ لك وأخطر وذلك حين يكون التبرير سابقا على الخطأ فحينها تستحل المحرمات وتنتهك الحرمات.
فالفقير قد يبرر لنفسه أكل المال الحرام فيقع في السرقة والرشوة وأكل الربا وذو الضغينة قد يبرر لنفسه الانتقام ويراه حلالا له غير معتقد بخطأ فعله والمهمل قد يبرر لنفسه الغش وهكذا يصدر لنفسه فتوى بجواز ما يراه عند كل نازلة فترى الرجل تظن فيه الخير يعمل بعمل أهل السوء عالما عامدا وهو في صلب اعتقاده أنه يفعل الصواب.
قد نجد عذرا لمن يبرر لنفسه ما ارتكبه من أخطاء حين يكون قصده تجنب غضب المخاطب واستعطافا له ولكن يجب أن نعلم أن كثيرا من المبررين لا يبررون لأحد سوى أنفسهم تخلصا من عقدة الإحساس بالذنب.
لنعد إلى عبد الله وأخته ولننظر الموقف بعيني أخته فستكون صاحبة أحد ردود الأفعال التالية:
الأول: أن تكون نظرتها نظرة فزع مما حصل لذا لم تكن بحاجة إلا إلى اعتذار وبعض العون والطمأنة.
الثاني: أن تكون نظرتها نظرة تساؤل عن هذه العجلة التي تسببت بهذا الحادث فهنا تحتاج لبعض التبرير.
¥