[اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان]
ـ[الخبراني]ــــــــ[20 - 07 - 2010, 03:07 م]ـ
عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج. فقال: (اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (33).
الشرح
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ فيما نقله عن الزبير بن عدي؛ أنهم أتوا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه؛ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد عمر، وبقى إلى حوالي تسعين سنة من الهجرة النبوية، وكان قد أدرك وقته شيء من الفتن، فجاءوا يشكون إليه ما يجدون من الحجاج بن يوسف الثقفي؛ أحد الأمراء لخلفاء بني أمية، وكان معروفاً بالظلم وسفك الدماء، وكان جباراً عنيداً والعياذ بالله.
وهو الذي حاصر مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق؛ حتى هدمها أو هدم شيئاً منها، وكان قد آذى الناس، فجاءوا يشكون إلى أنس بن مالك رضي الله عنه، فقال لهم أنس رضي الله عنه: اصبروا؛ أمرهم بالصبر على جور ولاة الأمور، وذلك لأن ولاة الأمور قد يسلطون على الناس؛ بسبب ظلم الناس، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129).
فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم، أو في أبدانهم، أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل، أو ما أشبه ذلك؛ ففكر في حال الناس؛ تجد أن البلاء أساسه من الناس، هم الذين انحرفوا؛ فسلط الله عليهم من سلط من ولاة الأمور، وفي الأثر ـ وليس بحديث ـ كما تكونون يولى عليكم.
ويذكر أن بعض خلفاء بني أمية ـ وأظنه عبد الملك بن مروان ـ جمع وجهاء الناس؛ لما سمع أن الناس يتكلمون في الولاية، جمع الوجهاء وقال لهم: أيها الناس، أتريدون أن نكون لكم كما كان أبو بكر وعمر؟
قالوا: بلى نريد ذلك، قال: كونوا كالرجال الذين تولى عليهم أبو بكر وعمر؛ لنكون لكم كأبي بكر وعمر، يعني أن الناس على دين ملوكهم، فإذا ظلم ولاة الأمور الناس؛ فإنه غالباً يكون بسبب أعمال الناس.
وجاء رجل من الخوارج إلى على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وقال: ما بال الناس انتقضوا عليك ولم ينتقضوا على أبي بكر وعمر، قال: لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك؛ يعني أن الناس إذا ظلموا سلطت عليهم الولاة.
ولهذا قال أنس: اصبروا، هذا هو الواجب، الواجب أن يصبر الإنسان، ولكل كربة فرجة، لا تظن أن الأمور تأتي بكل سهولة، الشر ربما يأتي بغتة ويأتي هجمة، ولكنه لن يدال على الخير أبداً، ولكن علينا أن نصبر، وأن نعالج الأمور بحكمة، لا نستسلم ولا نتهور، نعالج الأمور بحكمة وصبر وتأن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)، إن كنت تريد الفلاح فهذه أسبابه وهذه طرقه؛ أربعة أشياء: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ثم قال أنس بن مالك: فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأتي على الناس زمان إلا وما بعده أشر منه). شر منه في الدين، وهذا الشر ليس شراً مطلقاً عاماً، بل قد يكون شراً في بعض المواضع، ويكون خيراً في مواضع أخرى وهكذا.
ومع هذا؛ فإن الناس كما ازادوا في الرفاهية، وكلما انفتحوا على الناس؛ انفتحت عليهم الشرور، فالرفاهية هي التي تدمر الإنسان؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده؛ غفل عن تنعيم قلبه، وصار أكبر همه أن ينعم هذا الجسد الذي مآله إلى الديدان والنتن، وهذا هو البلاء، وهذا هو الذي ضر الناس اليوم، لا تكاد تجد أحداً إلا ويقول: ما قصرنا؟ ما سيارتنا؟ ما فرشنا؟ ما أكلنا؟ حتى الذين يقرءون العلم ويدرسون العلم، بعضهم إنما يدرس لينال رتبة أو مرتبة يتوصل بها إلى نعيم الدنيا. وكأن الإنسان لم يخلق لأمر عظيم، والدنيا ونعيمها إنما هي وسيلة فقط. نسأل الله أن نستعمله وإياكم وسيلة.
¥