أَحقًا، هَذا زَمانُ الضغائنِ، والقلوب السوداء؟
ـ[? وجع الواقع ?]ــــــــ[11 - 07 - 2010, 08:08 ص]ـ
بِسْمِ اللهِ الرَحمنِ الرَحيم،
وَالسّلامُ عليكم ورَحمة منَ الله،
حَادثة بسيطة حدثت أمامي البَارحة، كُنّا في أحد المُستشفيات لِأَلَم أَصَابنِي
كَان هُناك تَجمّع أمامَ باب المشفى، وَطبعًا الموقف لا يخلو من الصراخ،
شاهدتُ من بعيد رجلان كُلٌّ يضربُ الآخر، وَيسب ويلعن ..
حَتّى جاءت الشرطة وَفرقت جَمعهم، عَرفنا من النّاسِ فِيما بَعد هُناك أن المُشكلة سببها
بسيط، أي سوء تفاهم ولا يستحق كل الذِي حَصل ..
حَتّى أن أحدهم بَاتَ تلكَ الليلة في المشفى، نتيجة كسر رجله!!
أَينَ العفو، الرِفق، الأُخوّة .. أينَ كُل هَذهِ المعَانِي الكَريمة التِي عَلّمنا إِياهَ
صَلى اللهُ عليهِ وَسلم ..
" ورب البيت ما أعوفه يعني ما أعوفه "
" يا أني يا أهوه "
" وياه وياه والزمن طويل "
" يتحجى عليه وأضل ساكت؟! "
" هاي الشوراب مو على رجال إذا ما خذيت حكي منه "
" ليش ذيج اليوم يكول لي هيج وهيج؟ "
" تريدني أصير زلابة! "
..
..
..
.. وَالَقَائِمة طَويلة!
تِلكَ القَائمة الممتَلئة بِـ مئاتِ الكَلمات المُتراكمة
والتِي ينفخ فيها إبليس لتُشعل بها نيرانُ الحِقد ..
أَحقًا، هَذا زَمانُ الضغائنِ، والقلوب السوداء؟
هَل مُسحت مَعاني العفو من قَواميسِ عَصرنَا،
حَتّى لا يكادُ يُعرف معنىً للعفو وَالرِفق!؟
.. صَارَ الرَجل الأَرفق: أَحمق!
وَالأَلطف: أجوف!
وَالأَصفحُ: أَفضح!
هَكذا هِيّ في قواميس البعض!
لو عُدنا لسيرةِ خيرِ البشر عليه الصلاةُ والسّلام، لوجدنا العجبَ العُجاب!
مَواقف عَظيمة يُسطرها لنَا قُدوتنا صلى الله عليهِ وسلم في شَتى مَجالاتِ جياته ..
مَع الأَهل .. معَ الأَصحاب .. مع الحَضرِ .. و الأَعراب ..
مَع كل البشر .. حتّى مع البهائم والحيوانات .. مَواقف وَ دُورس في الأَخلاق والتعامل!
(1)
عن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة ...
ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة،
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة
وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم .. غارت أمكم)
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة
وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة.
[رواه النسائي وصححه الألباني].
لَو حَدثَ هذا الأمر مَع أحدٍ مِنّا - في أقل الأحوال -
لقامَ بِ صفعِ امرأته التِي ضربت الصحفة، أو قام بِ الصراخِ في وجهها!
لكن رَسول الله عليهِ الصلاة والسلام، رجلٌ عظيم ..
إِحتوى الموقف بكل رفقٍ وحكمة .. وحلم!
لِأنهُ يعلم مَا يحدثُ بين الضرائر من الغيرة .. فكان منه الهدوء والإتزان!
(2)
وقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ اليهودَ أتوُا
النبيَّ صلى الله عليه وسلم
فقالوا: السامُ عليك، قال: (وعليكم)،
فقلت: السامُ عليكم ولعنَكمُ اللَّهُ وغَضِبَ عليكم،
فقال رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (مَهلاً يا عائشة، عليكِ بالرفق، وإياكِ والعُنف أَوِ الفُحش)،
قالت: أوَ لم تَسمعْ ما قالوا؟
قال: (أَوَ لم تَسمعي ما قلتُ؟ ردَدْتُ عليهم، فيُستجابُ لي فيهم، ولا يُستَجاب لهم فيَّ)
[رواه البخاري].
للهِ أَنتَ يَا خَير البَشر،
صَلىَ الله عليكَ وَسلّم.
هَكذا بِكل رفقٍ وحكمة، حتّى مع الأعداءِ لم يكن فاحشًا متفحشًا ..
بَل بهدوء فَائق أنهى القضيّة ..
وربّى زوجتهُ على أن تعفَ لِسانها من قولِ السوء.
وَعَلّم الأمةَ أجمع على أن تتَحرى الإنصافَ وَالعدل .. حتّى مع اليهود.
(3)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في
المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد،
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه مَه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه)
فتركوه حتى بال،
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر،
إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن)
قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه.
[رواه مسلم].
عَلمَ صلى الله عليهِ وسلم جَهل هَذا الأَعرابي الذِي بَال فِي المسَجد النبوي،
فَلم يَغضب، ولم يَصخب، ولم يضرب .. ولكن بيّنَ لهُ وَعلّمهُ بكل رِفق الخطأ الذِي وقع منه ..
وَحتّى أن الأعرابي بعد ذَلكَ قَال: " اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا " ..
.. وَلِأجلِ هَذا إنقدحَ نُورُ الحُبّ وَالسعادة فِي بَيتِ النُبوة ..
بِمثلِ هَذهِ الأَخلاق العَظيمة.
بِالعدلِ، والحِكمة، والرِفق .. فَكانَ يقول لعائشة - مَداعبًا -: " يا عَائش "، ويقول
أيضًا: " يا حُميراء " ..
لَكنّهُ في المُقابل كان يَقولُ لها - مُؤدبًا -: " لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته " ..
وَهيّ التِي قَالت عَنهُ عليهِ الصلاة والسّلام: " كَان خلقه القرآن " ..
.. قَلبٌ رَحيم،
وَصَدرٌ سَليم، وَ عَفو عميم،
وَخلقٌ عَظيم .. هوَ ما نحتاجه.
وَما أحوجنَا فِي هَذه الأَيّام، إِلى تَنقية الصدور ..
وَتصفية القلوب، والعفو عن النّاس ..
فَهذا مَطلبٌ شرعي .. قَبل أن يكون خلقٌ كَريم .. ودّ لا يبور ..
خِتَامَا
الْلَّهُم اجْعَلْنَا مِمَّن يَسْمَعُوْن الْقَوْل وَيَتبعُوُون احْسَنَه يَارَب الْعَالَمِيْن الْلَّهُم اجْعَل عَمَلَنَا كُلَّه خَالِصَا لِوَجْهِك الْكَرِيم الْلَّهُم لَاتَجْعَلْنَا مِمَّن ضَل سَعْيُهُم فِي الْحَيَاة الْدُّنْيَا وَهُم يَحْسَبُوْن انَّهُم يُحْسِنُوْن صُنْعَا
¥