تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المونديال و إشهارات المسخ الثقافي]

ـ[إبن سليم]ــــــــ[05 - 08 - 2010, 01:30 م]ـ

تواتر في فترة المونديال بث إشهار من إنتاج الفيفا على قنوات الجزيرة الرياضية، يتمثل في تصوير مشهد من حفلة زواج عربي حيث يقف العريس في بهو مع أفراد من عائلته و عائلة عروسه المتبرجة طبعا (الذين أراد لهم المخرج أن يكونوا من جنسيات عربية مختلفة ... سوداني ... مغربي ... شامي ... و إنتبهوا جيدا لهذا الإختيار) التي تنزل بخطوات متأنية من مدرج يقابلهم مباشرة ... ينتظرها الجميع في بهجة و سرور

و سط الموسيقى و الأهازيج و في مقدمتهم العريس الذي يتطلع إلى رؤية خليلته بما أحل الله ... و فجأة يحدث خطب ما و يتسمر عريسنا مندهشا و يخيم الصمت و الوجوم على ملامح الجميع ... فيا لها من مفاجأة إذ أن العروس المصون ترسم علم البرازيل على خدها الأيسر!!! (و هنا تذاكى المخرج و لم يشأ و ضع علم أمريكا أو بريطانيا يعني علم دولة إستعمارية متكالبة على عولمة الشعوب و فرض ثقافتها ... فيجب تمرير السيناريوهات الهوليودية بذكاء و سلاسة) يواصل عريسنا دهشته و إشمئزازه من إستخفاف زوجته به فهل يعقل أن تهتم إمرأة ليلة زفافها بشيء غير أناقتها و زوجها ... !!!

بعد لحظات من هذا المشهد يدير المخرج الكاميرا من زاوية أخرى فإذا بالجميع يضعون أعلاما للدول المشاركة في المونديال على خدودهم التي لم تكن ظاهرة في الأول كل حسب إختياره بما فيهم عريسنا البطل و بينما الجميع في حيرة من أمرهم و وجوم تظهر إمرأة كبيرة نوعا ما في السن تقف وراء الجميع، مرتدية حجابا إسلاميا على الأرجح هي أم العريس، و تبدأ في شق هذا الصمت و الدهشة بالتصفيق بوتيرة متصاعدة حتى بثت الحماس و دبت الحركة من جديد في الحضور الكرام و إنقشعت سحابة الصيف و رجع الجمع للأهازيج و الأفراح ... !!! و إنتبهوا هنا إلى هذه الإختيارات لهذا المخرج الهوليودي فالمرأة الكبيرة في السن و المتحجبة هي رمز للرصانة و العقل الرشيد و التقوى و تصرفها هذا هو مباركة و تطبيع مع هذا السلوك الدخيل بل هو إصدار فتوى لجميع الجماهير العربية، على حد أمل المخرج طبعا، بقبول هذه الجملة من المعاني الخطيرة الموجزة في هذا الإشهار.

إن دهشة العريس و إستنكاره من تصرف عروسه ... يعكس في الواقع خصوصية مجتمعنا و تمسكه بتقاليده العربية الإسلامية و رفضه لكل ما يخدش الحياء و الفضيلة و هو ما يغيض الغرب و أذنابهم و يعتبروه عقدا و تخلفا و رجعية فالزواج من أساسه بالنسبة إليهم ليس بذاك الأمر الضروري فالملايين منهم يعيشون و ينجبون خارج إطار الزواج ...... أما إزدواجية الزوج و الحضور بإنكارهم سلوك العروس في حين هم يفعلونه إنما هي رسالة مبطنة من المخرج ليظهر أننا نكن الود لثقافتهم و نمارسها في نواح متعددة من حياتنا فلماذا هذه الذبذبة و الإنفصام في الوعي لنفبل إذا الأمر برمته و بدون تردد أو عقد (كما يحلو لهم تسميتها) ... أخيرا تصفيق أم العروس الوقورة الراشدة هو تلك المباركة و الفتوى بالتطبيع و الرضوخ التام، التي ينتظرها الغرب و يعمل على إستصدارها بشتى الوسائل التي نتخيلها أو لا نتخيلها من رموز الأمة و عقلائها ... علماء و دعاة و مفكرين و حكماء.

من الممكن أن يرى البعض أن هذا التحليل نوع من الهوس بنظرية المآمرة ... و لكن ضعوا أنفسكم مكان المسؤول عن التسويق الإعلامي لكأس العالم في الفيفا ... لديه شعوب و ثقافات مختلفة مسؤول عن مخاطبتها في سياق الترويج لبطولة كأس العالم أليس سيخاطبها ثقافيا و قد اعتاد الغرب في بحثه للظواهر الثقافية و الاجتماعية أن ينطلق من مسلّمة مركزيته الكونية، فما يصح في تاريخه ومجتمعاته يصح قانونا للبشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. أو ليس الغرب يعمل ليلا نهارا على محاربة الإسلام و روحه، المتجسدة في الخلق العظيم الذي وصف الله به نبيه محمد صلى الله عليه و سلم، بشتى الوسائل فكيف يفوت على نفسه مثل هذه الفرصة الجماهرية الإستثنائية و هي نهائيات كأس العالم ليمرر تفسخهه الأخلاقي و معاداته للفضيلة و الستر و العفاف التي هي الوعاء الذي يستقر فيه الإسلام و ينتشر.

لكن السؤال المهم هنا ... هل نملك نحن و خاصة شبابنا تلك الحصانة الفكرية التي لا تتبلور إلا بالثقافة و المطالعة و المعرفة و التي تخول للفرد أن يحلل المادة الإعلامية، الموجهة إليه، على حقيقتها بما تحمله من رسائل مبطنة و مفخخة حتى يعرف كيف يتعاطى معها؟؟

و السؤال الأهم هو هل إنتاج الفيفا لمثل هذا الإشهار الهادف و الخطير هو بمعزل عن الحملة الغربية المحمومة على الحجاب و النقاب و حياء و ستر المرأة المسلمة أم هو تكريس للتحامل على الإسلام و أهله؟؟

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير