تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان بزوغ أهل العلم في كل مناحيه , والصنائع في كل ميادينها , والشرائع بكل طوائفها , جميعهم كان تحت مظلة هؤلاء وظهر تحت مظلة هؤلاء , أو إن شئنا أجهرنا الحقيقة التي لا يعرفها الكثير أو يعرفها ويتجاهلها باحثاً لنفسه عن سبيل للعجز يسلكه , أن هؤلاء ولّاهُم اللهُ عليهم لأنهم كانوا من خيار أهل الأرض , فلا يقول قائلٌ منكم تداعيات الأزمان وتكالب الأمم وسنة الحياة أوصلتنا لما نحنُ فيه , إنما للمرة الثانية أقول تلك الحجج للعجزة فقط.

ماذا لو تمرَّدت!! , كُنت في نقاش مع أحد أهل العلم والخُلق أحسبه كذلك بإذن الله , فتطرقنا إلى هذا السؤال الذي أثار في نفسي كل هذه الهواجس الحقيقة التي بين يديكم ,

فأجاب أولاً: نحنُ يجب في تلك الحياة أن نعمل ونتعلم من , متى استعبدتم الناس وقد خلقهم الله أحراراً , ثم أردفَ قائلاً: علينا أن نبحث عن مطالب الله منا وننفذها عاجلاً إن كانت لا تحتاج إلى سبل لتحقيقها , وأن ننفذها آجلاً إن كان في تحقيقها مقاومة النفس أو البحث عن مقوّماتٍ للوصول للغاية المرادة , آثارني كثيراً فقلتُ له , أيعني هذا أنك لن تتراجع أو تتخاذل عن مطلب هو لله ومن أجل الله يجب أن تقضيه , أجاب بنعم ثم واصل وقال بل ليس هذا فقط بل أيُّ شيءٍ فيه مصلحة لذاتي أيضاً ولغيري مادام يصب في إرضاء ربي.

ثم بدأت أنا في وضع النقطة الأخيرة لهذا النقاش الثري ,

وتوصلنا معاً إلى نتيجة عجيبة , ألا وهي: أن نتمرد على كل الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان وأن التمسك بها يدخل في عدم إرضاء الله من باب " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". وعندما تَمعَّنّا قليلاً في كل ما حولنا من أمور عارضة طارئة أو ثابتة , وجدنا أن أكثرها من هذا الصنف.

بل دَعني أقول لك أن أكثر ما أصابنا من نقم ما كانت إلا بأيدينا والنصوص القرآنية والسُّنية خير دليل وشواهدها كثيرة وأكثرنا يعرفها والحمد لله , لهذا لماذا لا تتمرَّد؟؟ ..

عندما يشرع سارقٌ أو قاتلٌ في سلب ماهو ملكٌ لك ماذا تكون ردة فعلك؟ , أجيبُ عنكَ. تدافع عن روحك وعن ممتلكاتك حتى لو كانت نهايتك على يد من أتى لإيقاعك أو سلب حق من حقوقك اليس كذلك , أجبتَ بلى.

إذن لماذا عند الأشياء الكبيرة والتي تكون نوعاً ما في حاجة منّا للمجازفة أكثر والمواجهة أكثر , ندّعي العجز ونقول قدرنا أن يقع هذا وما من سبيل لتغيير هذا , العجب العجاب أننا نقول هذا ونحن في حالة عجز دون أدنى محاولة للتجربة , فعن أي قدر نتحدث وعن أي قضاء نتكلم.

لو أن هذا صحيحاً ما نقول وليست مجرد حجة أو " شمّاعة " نعلق عليها آثار العجز الذي هو شيمتنا وعار الخذلان الذي هو رفعتنا , لكان أولى بسيد الخلق طه عليه أفضل الصلاة والتسليم من رب العالمين , أن يطلب من الله توحيد قلوب الناس على الإسلام دون هجرة ودون غزوات أو دعوات لمن هُم دون ملته , أو حين كان في الطائف وجرى له ما جرى بأبي وأمي وروحي هو , لكان استجاب لما عرضه عليه ملك الجبال بأمر الله.

لكنَّ الفكرة راسخة عند شفيع الأمة , أن لا للتراجع أن لا للاستكانة أن لا للهوان لا للذل , ولكن عن طريق حِراك إيماني وثقة ربّانية يتم من خلالها الاستجابة فقط لما يجب أن يصل إليه: غاية كبرى وتحقيق ما أمره الله به , وهذه تماماً هي فكرة التمرد.

التمرد على السرقة , على الغش , على النفاق , على الخوف إلا من الله وفي الله , التمرد على أهل الباطل ونصرة أهل الحق , التمرد على عبوديتنا لكل ما يُوقِعُ بنا في براثن اللانهاية الحاملة للأقنعة المؤدية للعيش في أردى حلة ولقاء الله على أردى صورة , التمرُّد على ما هو كان وكائن من أجل ما يجب أن يكون وتكون عليه ليرضى عنك الله , التمرد على الشهوانية الحيوانية ومحاولة الدنو من النورانية الملائكية , أو أضعف الإيمان الإبقاء على إنسانيتنا مع عدم الميل للباطل , واتباع الحق.

التمرُّد على ذاتك أولاً والإصلاح منها , فالتمرد على كل ما هو دون الأخذ بيديك للصلاح والرشاد والنجاح لدينك ودنياك وآخرتك ولنفسك والخلائق.

تمرَّد يا أخي تَمرَّد تمرّد تمرّد تمرد تمرد تمرد تمرد ,

فلا نامت أعين الجبناء , فلا نامت أعين أصحاب الأقنعة ,

فلا نامت أعين الجهلاء , فلا نامت أعين البلهاء , فلا نامت أعين أهل المعصية والابتعاد عن الله , فلا نامت أعين الاستكانة والتواكل , فلا نامت إلا أعين الشرفاء ,

فلا نامت إلا أعين الشرفاء , فلا نامت إلا أعين الشرفاء.

فتمرّد لتصبح حراً لتصبح شريفاً لتصبح عزيزاً , تمرّد لتترك عبادة العباد لتعبد رب العباد تمرد من عبادة المال والنساء والباطل ,

لتكون عبداً لله يُشار إليك ويحبك الله وتحبك كل الخلائق.

تمرّد لتصبح إنساناً , قبل أن تفارق تلك الحياة وأنت حيوان.

ولا تغضب فعُد لكتاب الله عز وجل لتقرأ قوله تعالى:

(ومِن الناس مَن هُم كالأنعام ِ بل هُم أضل)

ماذا لو تمرّدت هل سيحدث أكثر ممَ أنتَ عليه؟؟.

أعرف أن في زوايا أرواحكم جميعاً تلك الحالة النادرة ,

لأنها من الفطرة التي جاء بها الإنسان منذ استهلاله للحياة الدنيا , ففتش عنها ولا تتركها إلا وهي متوجة على عرش أفكارك وأعمالك تمرد على جهلك لتصبح عالماً , تمرد بها على فقرك لتصبح ثرياً (ثراء النفس لا ثراء المادة) , تمرد على الخلق الرديء لتصبح حسن الخلق , تمرد على البغض لتصبح محباً؛ تمرد تمرد تمرد.

ماذا لو تمرّدت هل سيحدث أكثر ممَ أنتَ عليه؟؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير