تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يكون الزوج المسكين قد أعد مشروع موازنة الشهر, وسهر الليالي وضرب الأخماس بالأسداس حتى استطاع أن يسدد حاجة الأسرة براتبه الذي لا يتجاوز ثلاثمئة ليرة في الشهر؛ يشد لحافه ليغطي كتفيه فيكشف عن رجلية, فإذا ستر رجليه انحسر كتفيه! وبينما هو في ذلك إذ خطر على بال عمة امرأة خال زوجته أن تموت فجأة, فتجئ الزوجة تطلب حالاً وبلا تأخر وبالسرعة الكلية (على لغة المبايعات الرسمية) أربعين ليرة ثمن ثوب أسود للعصرية.

فيقول: "اسمعي يا امرأة, إن موازنتنا لا تتحمل".

فتبكي وتعول وتقول:

وكيف أذهب إلى عصرية الفقيدة العزيزة المرحومة المأسوف على شبابها عمة زوج خالي بلا ثوب أسود, وماذا يقول عني الناس؟

قد تكون هذه العزيزة المأسوف على شبابها بنت تسع وسبعين سنة فقط, وقد تكون منقطعة عن زيارتها من ست سنين, ولكن الحكاية حكاية: ماذا يقول الناس؟

وإذا كنت مشغولاً بإعداد درسك في المدرسة, أو حساب عملائك في المتجر, أو تمريض بنتك المشرفة على الموت, وإذا كان لديك شغل الذهب وجاءك –فجأة بلا موعد_ أحد العاطلين المعطّلين الفارغين ليقطع الوقت باللَّتّ والعجن معك, فلا تقل له:

" أنا مشغول".

إياك, وإلا فأنت أعلم بما يقوله عنك الناس!

وإذا كان جارك أو عديلك غنيًا يملك الملايين وكنت أنت مستورًا ليس لك إلا راتبك, واشترى لبيته ثُريّا بألف ليرة وبرّاد وغسّالة وعصّارة كهربائية وفرنًا على الغاز وسجادة طولها ثمانية أمتار وعرضها خمسة, فاذهب حالاً فاشترِ مثلها ولو سرقت ونهبت وقطعت الطريق, وإلا أوقعت نفسك في أفواه الناس!

وإذا أقامت زوجة التاجر الفلاني أو الوارث العلاّني وليمة, دعت إليها امرأتك وقدمت فيها لحم الطواويس وألسنة الشحارير, والحلويات المصنوعة في روما الواردة بالطيارة الخاصة, فيجب أن تعد زوجتك مثل ذلك وإلا تكلّم عنها الناس!

والخلاصة: أنه يجب ان يكون قيامك وقعودك وأكلك ولبسك وفرش بيتك ونفقات يومك كما يريد الناس أن تكون, ولو اختنقتَ حسًا ومعنى, ولو نُكبت في سعادتك وفي مالك, ولو احترق نَفَسُك, وإلا انتقدك الناس!

الناس, دائمًا الناس! فيا أيها الناس, متى نعيش لأنفسنا؟

ومتى نستطيع أن نقف عند حد الشرع وحد العقل؟ ومتى يخرج فينا العقلاء الأقوياء الذين يكسرون هذه القيود؟

أمّا أنا فو الله ما أبالي هذا كله, ولكن أعظ من شاء أن يتعظ:

أن يتبع دينه أولاً فلا يأتي محرمًا, ثم يتبع العقل, ثم يعمل ما يراه خيرًا ويمدّ رجليه على قدر لحافه وينفق النفقة الضرورية ويترك التبذير ولو كان أغنى الأغنياء.

ولا تخشوا قول الناس ما دمتم لم ترتكبوا محرمًا ولا ممنوعًا شرعًا.

وهل عند الناس إلا أن يقولوا؟!

لقد قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم – (وهو خاتم الأنبياء): مجنون وقالوا: ساحر, وقالوا: كذّاب.

فليقولوا عنكم ما شاءوا, ولا تبالوا بسخط الناس إن كنتم قد أرضيتم الله.

ـ[ابنة القوم]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 07:18 ص]ـ

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

صدق حقا، فقد أصبح شغلنا الشاغل في هذا العصر هو الناس و مايقوله الناس و ما يهتم به الناس

ونسعى على الأغلب لإرضائهم حتى و إن تعارض ذلك مع قناعاتنا و معتقداتنا الشخصية!

شكرا لك على هذا المقال الجميل.

ـ[معاني]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 07:27 ص]ـ

ومن الملاحظ أن الذي يبحث عن رضا الناس في الغالب لن يرضوا عنه مهما فعل ,وهو الخاسر على كل حال , فقد باع حريته لأجل رضاهم وإن حصل على رضاهم -وهذا يكاد يستحيل ,لإنك إذا اجتهدت في طلب شيء لست مكلفا به ,أي ليس من الجهة التي تحقق بها الغرض من وجودك ,لا تحصل عليه في الغالب-فهو الخاسر أيضا لإنه خسر السعادة التي تمنحه إياها حريته و لذة تحكيم ذاته على خياراته.

هذا وقد قيل:رضا الناس غاية لا تدرك.

وقد يكون صعبا في البداية أن تحرر نفسك وعقلك وقلبك من شيء اسمه (الناس) ,ولكن بعد ذلك بمسافة بسيطة ستجد ما يسرك.

ولايعني أن تتحرر من الناس أن لا تعمل من أجل أن تؤثر في الناس أو تتحيا لتعطيهم ,بل اعمل كل هذا دون أن تنتظر منهم التأثر أو رد العطاء.

...

شكر الله لك وجزاك خيرا على اختيار هذه المقالة ورحم الله كاتبها رحمة واسعة.

ـ[صمتي حكاية]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 07:46 ص]ـ

‘‘أحسنت والله الإختيار‘‘

دائمآمبدع حتى في إختيارك

‘‘بوركت أستاذ السراج‘‘

ـ[السراج]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 10:22 ص]ـ

بارك الله فيكِ يا ابنة القوم على حضور الكريم ..

حتى و إن تعارض ذلك مع قناعاتنا

وهذا صحيح في كثير من الأحيان ومع كثير من الناس، هدانا الله وإياكم ..

ـ[السراج]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 10:23 ص]ـ

معاني ..

كلام جميل، بارك الله فيكِ ..

ـ[السراج]ــــــــ[10 - 08 - 2010, 10:26 ص]ـ

‘‘أحسنت والله الإختيار‘‘

دائمآمبدع حتى في إختيارك

‘‘بوركت أستاذ السراج‘‘

بارك الله فيكِ .. الإبداع لا يكونُ دون قُرّاء مُدركين أمثالكم ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير