تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن دلائل قلة الأدب: عدم التسليم لأهل الشأن والأكابر " في موضع الاجتهاد والاحتمال، وكذا حيث لم يستوثق المعترض من خطأ الشيخ "17، خاصة في الأمور العظام ومسائل النوازل، التي تحتاج إلى جودة قريحة، وقوة نظر في الدلائل.

وبهذا يفهم قول من قال عند الكلام عن أصول التربية:" ترك الاعتراض على الأكابر محمود، وكثرةُ المِراء يورث الصدود"، ومنه قولة مالك رحمه الله حيث قال:" سلموا للأئمة، ولا تجادلوهم " 18، وكما قال سفيان بن عيينة رحمه الله:" التسليم للفقهاء سلامة في الدين " 19، وعليه فليس القصد ترك الاعتراض بالكلية فتنبه 20.

فـ " إن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب، أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها، أو لا تقع من فهم السامع موقعها أن لا يواجه بالاعتراض والنقد.

فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح وأحرى بإدراك البغية إن شاء الله تعالى " 21.

وترك الاعتراض محمود على **** ذي الكبراء عند كل من علا

كان الذي اعترض فاهما أو **** لم يفهمن عند كل من روى

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد قصة الحديبية:" أن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال، بل عليه التسليم، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالبا بكثرة التجربة .. " 22.

وليعلم أن ترك المبادرة إلى الاعتراض على العالم الموثوق المظنون فيه التزام الحق بشرطه المذكور من الصبر المحمود إذ " أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم وحسن الثبات على ذلك أنه ليس بأهل لتلقي العلم.

فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه أدرك به كل أمر سعى إليه "23.

فالله الله في التزام الأدب في جميع محاولاتك ومناولاتك وتصرفاتك وأفعالك، فما أدرك من أدرك إلا بالأدب.

فالقوم بالأدب حقا سادوا **** به استفاد القوم ما استفادوا

قال الإمام القرافي رحمه الله:" وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيلَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ هَلَكَ إبْلِيسُ وَضَاعَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ بِقِلَّةِ أَدَبِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا. أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ"24.

..................................

1. منهاج السنة النبوية لابن تيمية رحمه الله 6/ 150.

2. فإن " الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض " كما قال السراج البلقيني رحمه الله في محاسن الاصطلاح 176.

3. انظر صحيح الجامع.

4. فتح الباري 13/ 264.

5. القسطاس المستقيم لأبي حامد الغزالي رحمه الله 90.

6. روى البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:" إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ".

قال ابن فارس رحمه الله:" لد اللام والدال أصلان صحيحان: أحدهما يدل على خصام، والآخر يدل على ناحية وجانب.

فالأول اللدد، وهو شدة الخصومة، يقال: رجل ألد وقوم لد قال الله تعالى وتندر به قوما لدا .. " معجم مقاييس اللغة 5/ 203.

7. درء التعارض لابن تيمية رحمه الله 7/ 182.

8. كما قال يوسف بن الحسين رحمه الله فيما نقل عنه الخطيب البغدادي رحمه الله في اقتضاء العلم العمل 170.

9. كما قال البوشنجي رحمه الله انظر نزهة الفضلاء 2/ 1006.

10. لباب الآداب 228.

11. مدارج السالكين 2/ 391.

12. الدرر الكامنة 4/ 106.

13. سير أعلام النبلاء 14/ 159.

14. كما قال مخلد بن الحسين رحمه الله انظر تذكرة السامع والمتكلم 3.

15. كما قال الإمام مالك رحمه الله انظر الحلية 6/ 330.

16. من قالات سفيان الثوري رحمه الله انظر الحلية 6/ 371.

17. هذه قيود مهمة لمسألة التسليم للفقهاء، وترك الاعتراض على العلماء، انظر حرمة أهل العلم لمحمد إسماعيل المقدم232، وكذا قواعد في التعامل مع العلماء لعبد الرحمن بن معلا اللويحق 188.

18. الميزان للشعراني 1/ 51.

19. الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 166.

20. فإن ترك الاعتراض بالكلية لا يكون إلا للمعصوم ومعلوم أن العلماء غير معصومين.

نقل الإمام الذهبي رحمه الله عن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله قوله: " من قال لأستاذه: لم، لا يفلح أبدا ".

ثم قال:

" ينبغي للمريد أن لا يقول لأستاذه: لم إذا علمه معصوما لا يجوز عليه الخطأ، أما إذا كان الشيخ غير معصوم وكره قول: لم؟ فإنه لا يفلح أبدا، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، وقال: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}.

بلى هنا مريدون أثقال أنكاد، يعترضون ولا يقتدون ويقولون ولا يعملون فهؤلاء لا يفلحون " سير أعلام النبلاء 17/ 251.

21. الموافقات 5/ 400 تحقيق مشهور.

22. فتح الباري 5/ 352.

23. تيسير الكريم الرحمن 5/ 68.

24. الفروق 8/ 499.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير