تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الفوضى المنهجية ..]

ـ[أبوعبد الله عادل المغربي]ــــــــ[06 - 01 - 10, 12:37 ص]ـ

[الفوضى المنهجية ..]

" لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها "

الشيخ أبو أويس مولاي رشيد الإدريسي

احتضنت هذه المقالة التحذير من بلاء يتنزه عنه النجباء، لعلمهم بحقيقته وبجلاء، ولمعرفتهم بعواقبه وما يحصل بسببه من اعتداء، فكم اكتوى بناره من الفضلاء، وكم حصل من جرائه من أدواء، إنها الفوضى العلمية والاضطرابات المنهجية، حتى ادعى كل واحد " وصلا بليلاه " تبعا لطائفته وهواه، فما ترى إلا من يصد ويعادي، وفي كل واد يتكلم وينادي، فتفرقت الجموع وهي تظن أنها تذوق في سبيل الله صنوف الأذى، مع أنها تتجرع في الحقيقة كؤوس الردى كل واحدة منها تظن " أن العلم ما معها وفرحت وتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون وأكثر ما عندهم كلام وآراء وخرص والعلم وراء الكلام كما قال حماد بن زيد قلت لأيوب: العلم اليوم أكثر أو فيما تقدم فقال الكلام اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر.

ففرق هذا الراسخ بين العلم والكلام فالكتب كثيرة جدا والكلام والجدال والمقدرات الذهنية كثيرة والعلم بمعزل عن أكثرها"1.

ولا غرابة في حصول هذا الواقع المرير في مثل هذا الزمن الذي فيه "الورع قل بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرة الشهوات، وكثُر من يدعي العلم، ويتجاسر على الفتوى فيه"2.

وبدل أن يكون منهج صارت مناهج، وعوض طريق صارت طرائق، والعجيب والغريب ادعاء التدقيق ودعوى السير على منهاج الأسلاف على التحقيق، والأمر لا يعدوا أن يكون من الخلط والخبط وعدم الضبط أو التزويق.

فإن " كثيرا من الناس المتأخرين لم يعرفوا حقيقة كلام السلف والأئمة فمنهم من يعظمهم ويقول انه متبع لهم مع انه مخالف لهم من حيث لا يشعر .. "3 مع التنبيه عند هذا المقام أنه عند " بعد العهد بكلام السلف، وطول المدة، وانتشار كلام المتأخرين في معاني الحديث والفقه انتشارا كثيرا بما يخالف كلام السلف الأول، يتعين ضبط كلام السلف من الأئمة وجمعه 4 وكتابته والرجوع إليه ليتميز بذلك ما هو مأثور عنهم مما أحدث بعدهم مما هو مخالف لهم " 5.

نعم عم الوباء، وكثر هذا البلاء، وتنوع الانحراف في القالات والأفكار والأعمال والاعتقادات، حين تُكُلِم في الأمور العلمية والطرائق المنهجية دون إحكام ولا أهلية هذا مع التلاعب بالألقاب العلمية والرتب السنية لأهل العلم فـ "كم من مدَّع للمشيخة وفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى" 6، فاللهم لطفك ورحماك.

والمصيبة تعظم عندما يخوض في المنهاج تأصيلا وتنزيلا العوام الدهماء، مع أن الواجب في حقهم معلوم عند العقلاء بله العلماء.

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:"حق العوام أن يؤمنوا ويسلموا ويشتغلوا بعبادتهم ومعايشهم ويتركوا العلم للعلماء فالعامي لو يزني ويسرق كان خيرا له من أن يتكلم في العلم" 7.

بل لا يصلح أن يتكلم في هذه الأبواب خاصة حتى الأنصاف في معرفتها لأن الأمر يخص القواعد والتأصيل التي ينطلق في تحريرها من النقل الصحيح، والتصور الفصيح 8، مع التبيين والتفصيل، والحذر من العوائد وكل ما هو دخيل، والرجوع في ذلك إلى تقريرات الأسلاف وإلى ما هو أصيل.

قال بعضهم: "أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي، هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان" 9.

وأخرج الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في جامع بيان العلم بإسناد صحيح عن مالك رحمه الله قال: "أخبرني رجل دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أدخلت عليك مصيبة؟ فقال: لا ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق".

وهكذا تتابعت شكاوى أهل العلم والعرفان يرددون معنى كلمة ربيعة رحمه الله كابن الجوزي 10، وابن الصلاح 11، وابن حمدان 12، وابن القيم 13 وغيرهم رحمة الله عليهم، كل يبكي على أحوال زمانه ويتحسر من أوضاع العلم وأهله، فكيف لو رأو زماننا وما نحن فيه؟!.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير