تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الأدب أولا ...]

ـ[أبوعبد الله عادل المغربي]ــــــــ[06 - 01 - 10, 12:40 ص]ـ

[الأدب أولا ...]

" اتق الله في المشايخ فربما استجيبت فيك دعوة "

الشيخ أبو أويس مولاي رشيد الإدريسي

بحماس الإقبال على العلم، والشعور بنشوة التعرف على كثير من المسائل، ظهرت فئات من طلبة العلم والمتفقهة، قد اكتسبت قدرا طيبا من المناقب، وتنبهت إلى كثير من المثالب، ولكن لم يقترن طلبها للعلم بتربية على وقار العلم وأدبه ومعرفة المراتب، بل همها تتبع المعايب، والتطلع إلى المثاقب، حالها كحال الذباب " الذي لا يقع إلا على العَقِير (الجريح)، ولا يقع على الصحيح "1.

شر الورى من يعيب الناس مشتغلا **** مثل الذباب يراعي موضع العلل

أي نعم، تولدت عند هذه الفئة قدرات كلامية مصحوبة بجرأة على مجرد الاعتراض 2، فأخذ علمهم الذي اكتسبوه طابع الجدلية، وقلة الحياء مع العلماء، والتسرع في الأحكام، والإنكار على أي مخالف، وعند أدنى مخالفة .. ، إنه التجرد من الأدب عند التعلم على ضعف في هذا الأخير ظاهر فتنبه، مع أن المرء " إذا حقق الأدب أدرك الأرب ونال أعلى الرتب ".

لم ينتصحوا بقول الناصح الأمين صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين لما قال القول المبين:" لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك فهو في النار"3، ذلك لأن" التفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدل "4.

ولا يخفى عند أهل النظر أن " أهل الجدل طائفة فيهم كياسة ترقوا بها عن العوام، ولكن كياستهم ناقصة، أو كانت في الفطرة كاملة لكن في باطنهم خبث وعناد وتعصب وتقليد، فذلك يمنعهم عن إدراك الحق، وتكون هذه الصفات أكنة على قلوبهم أن يفقهوا "5.

فتجنب يا رعاك الله جدال اللدد 6 وسوء الأدب بدعوى إظهار المنهاج، والحفاظ على السنة بالحجاج فإن حراسة السنة تكون " بالحق والصدق والعدل، لا تحرس بكذب ولا ظلم، فإذا رد الإنسان باطلا بباطل، وقابل بدعة ببدعة، كان مما ذمه السلف والأئمة " 7.

إن سوء التعامل الظاهر في هذا الحين مع الأمور المنهجية خاصة تنزيلا وواقعا حتى أدى ذلك إلى سوء الأدب مع الفضلاء والتطاول على العلماء أساسه - مع ضعف النظر والتصور –: الفصام النكد بين الأدب والعلم، فـ " بالأدب تفهم العلم " وقيل:" من أراد العلم والفقه بغير أدب، فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله " 9 ولأجله حث السلف الأخيار على الأدب حتى قيل:" من قعد به حسبه، نهض به أدبه "10، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:" أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره " 11، فاحذر أن تبتلى عند التلذذ بغيبة الفقهاء والطلبة النجباء لقلة أدبك بسوء الخاتمة فهذا القاضي الفقيه الشافعي محمد بن عبد الله الزبيدي رحمه الله مع اشتهار ذكره، وتفننه في علمه، قال عنه الجمال المصري رحمه الله:" إنه شاهده عند وفاته وقد اندلع لسانه واسود، فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعا "12، فاللهم غفرانك.

إن السعيد لمن له من غيره عظة **** وفي التجارب تحكيم ومعتبر

ورحمة الله على الحافظ أبي العباس الحسن بن سفيان لما قال لمن أثقل عليه:" ما هذا؟ قد احتملتك وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة "13.

فنحن إذن " إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من الحديث "14، فيا هذا " تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم "15، فقد " كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدب وتعبد قبل ذلك بعشرين سنة "16.

فكثير من الإجحاف والتفرق والاختلاف مع الموافق والمخالف سببه قلة الإنصاف وترك الائتلاف، مما يدل على أنه من الأزمات المريرة التي تحمل على التصرفات الوضيعة فقدان الأخلاق الجميلة، فظهرت العصبية التي أهدرت الأوقات، وتُتُبعت الهفوات مع أن العبرة بغلبة الحسنات، وانكشفت الحمية المقيتة بتتبع الزلات، وفقدت الأناة عندما عرضت الخلافيات، وحصل الظلم والتعدي بل وشن الحملات .. فيا لها من مصائب وبليات، تفشت فينا وانتشرت لأننا لم نتربى على الآداب الرفيعات والمقامات الزكيات .. {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير