تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فليتبوّأ بيتاً في جهنم)، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه.

وشدد الشيخ الخضير على أن طالب العلم إذا سُئل عن مسألة ينبغي أن يحسب لها وللخلاص منها بين يدي الله - جل وعلا - ألف حساب، وما يضيره أن يقول: «لا أدري»؟ وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي يُسأل فيسكت .. ينتظر الوحي، ومن أهل العلم من يقول إنه يسكت ليربي المفتين لئلا يتسرعوا في الجواب؛ لأن بعض المفتين إذا سئل لا يترك السائل يكمل السؤال بل يبادر بالسؤال قبل الجواب، وقد يحتاج السؤال إلى معرفة التفاصيل من السائل؛ لأن السؤال قد يحتمل وجوهاً.

وبيّن الخضير أن الوعيد ورد في الحكم المجزوم به، لكن لو طرحت مسألة في مجلس علم بين طلبة علم وشارك الحاضرون من غير علم لا على سبيل الفتوى وإنما على سبيل المشورة والترجي فقال بعضهم: لعل الحكم كذا، فمثل هذا لا يضر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال الصحابة: لعلهم كذا، لعلهم كذا، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال قوله الفصل ولم يوافق أحد منهم هذا القول؛ فدل على أنه إذا لم يكن على سبيل الإلزام بل على طريق الترجي فإن هذا يتسامح فيه.

وعن الإحجام أو الإقدام في الفتوى قال الشيخ عبدالكريم الخضير: من سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها أو كُلّف بها من قبل ولي الأمر، وذلك طريقة السلف، مبيّناً أن الفتوى من فروض الكفايات فلا بد من نصب المفتين، وقال أيضاً: إن الإقدام من غير تأهل ولا حاجة خطر ومزلة قدم، والإحجام مع تعين الفتوى وعدم وجود من يقوم بها مسؤولية عظيمة، وفي وقتنا الحاضر نجد طرفي النقيض: نجد الكفء إذا سئل يدفع الفتوى ويقول للسائل: اذهب واسأل غيري، فما الذي يخلصه أمام الله حين جاءه مثل هذا الشخص وهو عنده من العلم؟ نعم إذا كان لا يتصور المسألة فله توجيه السائل إلى غيره، ولا يعني هذا أنه يجيب كل ما يسأل عنه، أما المفتي المعيّن من قبل الإمام فليس له أن يصرف السائل إلى غيره إذا كان يعلم الجواب، ويلزمه أن يجيب بما يعرف، وإن كانت الجرأة على الفتوى مبنيّة على أصول شرعية فنعمت الجرأة، وإن كانت غير مبنية على أصول شرعية فهي خطر على صاحبها، وكان سعيد بن المسيب واسع الفتيا وكانوا يسمونه الجريء، وهو أعلم التابعين على الإطلاق.

وأكد الشيخ الخضير أن الذي ينصب نفسه للفتوى ولم يتأهل بعد ليس له حد يقف عنده، وقال: طالب العلم المبتدئ الذي نصب نفسه لإفتاء الناس، ويقول: أنا لن أفتي إلا بما أعلم، إذا صدق مع الله ومع نفسه فسيقول عن 99 بالمائة من المسائل: لا أدري، وقد تمر عليه بعض المسائل ويستحضر الأقوال ثم لا يوفق في الجواب، وقد يرد عليه ما لا يكون في حسبانه ولا يسأل سؤالاً واحداً عما يحسنه، والملاحظ على مرّ العصور من صدر الأمة إلى يومنا هذا أن المكثر من قول لا أعلم أهل العلم الأئمة الراسخون على الحقيقة، والذي لا يقول لا أعلم ولا تكثر على لسانه تجدهم من هؤلاء الصغار المبتدئين وحجة كثير منهم أن هذا الكبير انتهى من بناء الشخصية واعترف الناس بعلمه ولا يضره قول لا أعلم، لكن هذا الصغير الذي لم يعترف الناس به بعد إذا قال لا أعلم فيظن أن هذا عيب عليه وهذا من الجهل المركب.

كما ذكر الشيخ الخضير عدة أقوال وروايات عن السلف تبيّن إجلالهم للفتوى والتحديث وأن كل محدّثٍ منهم كان يودّ أن غيره كفاه الحديث خشية أن يزل لسانه بالحديث فيرويه على غير وجهه، وكل مفتٍ يودّ لو أن غيره كفاه الفتيا، ونقل عن ابن أبي ليلى قوله: أدركت مائة وعشرين صحابيًّا وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردّها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول، كما نقل عن ابن عباس قوله: كل من أفتى في كل ما يسألونه عنه إنه لمجنون. وفي قصة مالك أنه سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن ست وثلاثين مسألة بقوله لا أدري وأجاب السائل عن أربع. وكان أحمد كثيراً ما يسأل عن المسائل فيقول: لا أدري، وكان يقول: سل غيري، فإذا قيل له من نسأل يقول: سلوا العلماء، وكان الإمام أحمد يكره كراهية شديدة أن يفتي في المسألة النازلة التي لم يسبق إليها.

كما بيّن الشيخ الخضير خطر كتم العلم، وأن الله - جل وعلا - أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتموه ولو لم يسألوا فلا بد من البيان ولو لم يسأل الإنسان، لكن إذا سئل تعين عليه، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وقال: إن على طالب العلم والعالم أن يعرف حاله، وهل هو من أهل العلم حقًّا فيكون متوعداً بالكتمان ولا يجوز له حينئذٍ أن ينزوي عن الناس في بيته أو يقتصر على عمله الرسمي ولا يشارك في نفع الناس ولا يساهم في حل إشكالاتهم فمثل هذا هو الذي أسهم في جرأة غير الأكفاء على إفتاء الناس إلى أن ضلوا وأضلوا، وإذا كان لا يحسن الحكم على نفسه هل هو مؤهل للفتوى أم لا فإذا استفاض بين أهل العلم، ولا سيما الموثوقين منهم، أنه مؤهل؛ فلا شك أن ذمته لا تبرأ إلا بالبيان، مؤكداً أن تواضع العالم وقوله إنه لم يبلغ النصاب بعد ولم يتأهل لا يعفيه من الوعيد الشديد في كتم العلم إلا إذا قام بالأمر من يكفي، أما إذا تعين عليه فلا بد أن يسهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير