تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* وأما عن تواضعه وحسن خلقه:

فلقد رأيته سهل الخلق لين الكنف تعتريه حدة هي من حسن خلقه لا سوئها، وهذا لا يفقهه إلا من أمعن النظر في تراجم السلف فسيعلم أن من مظاهر حسن خلق أبي بكر رضي الله عنه غضبه يوم الردة على عمر رضي الله عنه، وشدة عمر في الحق أيضًا من جميل أخلاقه وكذا سائر الصحابة والسلف، وهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى كانت تعتريه حدة أهلك الله بها المبتدعة وجلى على يديه السنة، وكذا الإمام النووي رحمه الله حفظ الله به أموال الناس لفرط هذه الحدة في الله تعالى وهذا ضد لا يظهر حسنه إلا بضده إذا جمع معه كما قال القائل:

ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه بالضد

فمن رأى الشيخ في حدته رآه أيضًا رقيق الشمائل نبيل الخصائل مستجمعًا لأكثر الفضائل، فَأُقْسِمُ بالله غير حانث: ما رأيت في مرتبته بمن يفعل مثل فعله في معاملة الناس وخفض الجناح لهم لا سيما القريبين منه، ومن ذلك: أنني رأيته بعيني يستمع من غلام صغير ما أتم الثالثة عشرة ومع ذلك فإنه يسأل والشيخ يجيب لا يحتقره ولا يبعده بل يقربه ويدنيه ويجيب عليه كأنه شيخُُ طاعن في السن لا طفل صغير، وسأله بعض الغلمان يومًا في مسألة تختص بالاعتكاف فأراد الشيخ أن يعرف المسجد الذي تدور حوله المسألة فأخذ الغلام وذهب معه إلى المسجد ثم أفتاه بعدما رآه وعاينه ثم رجع فركب وذهب إلى بيته وكان ذلك بعد عناء يوم طويل يعمل فيه في دكانه، وجلس إليه شاب يسأله فأخذ يضع يده على قدم الشيخ عند السؤال ويعلو صوته أحيانًا والشيخ إلى الأرض ينظر لم ينهه ولم يكترث بذلك فلما مضى ذَكَرَ ذلك للشيخ أحد طلابه مستنكرًا فعل السائل فقال الشيخ وبمنتهى التواضع وعدم الاكتراث: ما شعرت بذلك، وقد دق هاتفي يوما فإذا الشيخ يقول لي كلفني فلان أن أخبرك بموعد وليمته فأنكرت الأرض من تحتي كيف يكلف هذا الطالب مثل الشيخ بهذا ولكن إن تعجب فعجب تواضع الشيخ المنقطع النظير في هذا الزمان فلله دره من قدوة ماثله0 وحدثني أخ قال: كان عندي أمر أهمني فأردت أن أسأل الشيخ فكأنني ذهلت من فرط تفكيري في هذا الأمر حتى أنني أرسلت إليه أن ائتني قال: فلم أشعر إلا والشيخ داخل عليَّ في دكاني وهو يقول لي: ماذا أردت؟ ألم ترسل إلي؟ قال: فاستحييت واعتذرت، وحدثني آخر وقد جاء من السوق متعجبًا قال: قد حدث أمر عظيم وأخذ يمدح الشيخ قائلًا: ما رأيت مثله، فقلت له: ما الأمر؟ قال: اشتريت من الشيخ أشياء كثيرة فأردت أن أنصرف فانقطع الكيس الذي أحمل فيه حاجتي فأراد الشيخ أن يحمل معي كيسًا من الأكياس ويوصلني إلى البيت وعمد إلى الكيس بالفعل وحمله وقال لي: هيا امض أوصلك فامتنعت حتى رددت الشيخ على إلحاح منه، ولقد كان الشيخ بيننا كأب حنون يعرف مشاكل كل واحد فينا يفكر فيها ويريد حلها وإبداء المساعدة، فلما رزقني الله تعالى بابنتي هاجر حدث لها شيء في سرتها فأخبرته فأرشدني إلى دواء ومضى يعلمني كيف أستعمله ويواسيني بالتخفيف عني من هذا الأمر قرابة الساعة ثم لما كان في اليوم التالي وجدت وأنا في دكان لبعض إخواني أن قد أتاني الشيخ على غير عادته ثم قال لي: يا سمير كيف حال ابنتك هاجر؟ فبشرته بخير مستحييًا، وكان جيرانه من التجار لا يبالون به كعادة الطغام، فكان بعضهم ربما آذاه بالغناء طوال النهار وبالصوت العالي الأجش ثم يغلق حانوته في آخر اليوم ويترك الكناسة بجوار محله ومحل الشيخ ولا يزيلها فلا يمنع ذلك الشيخ أن يخرج عندما ينتهي من عمل اليوم على سدة محله ويكنسها حتى يتعجب الناس من فعله ذلك ومن فعل جاره هذا! وربما حثه البعض على أن لا ينظف عند الغلام فيسكت وهو يديم الذكر وينظف عند الغلام أيضًا وعدل عن تجارة الحبوب إلى الاتجار في اللحم وكان يقول: إن الذبح الصحيح فرض على الكفاية وأكثر الموجود الآن لا يحسن يستوفي فقه الذبح عمليًا فأرجو أن أسد هذا الباب، قلت: ومن قبل كان قد أثار مسألة حرف الضاد وصلاة الفجر وقبلة المساجد فهذا الرجل رجل أمة يحمل همها كلها فجزاه الله عنا خيرا، فلما تاجر في اللحم حقد عليه بعض جيرانه من تجار اللحم وبينما هو يومًا جالس في حانوته جاء بعض الضباط ومعهم طبيب فأخذوا من عنده ذبيحة ضأن ثمنت بثماني مئة جنيه، فلما انصرفوا رفع جاره صوت المذياع بالغناء وأخذ يرقص ويغني، فقلنا له: ادع عليه يا شيخ،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير