تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهنا وقف بنا جواد القلم عن المجال في هذا الميدان على سبيل الاختصار ولو ركبنا متن الإسهاب لطال الكتاب والهمم قاصرة والإقبال في عصرنا على العلم قد صار روضة كالهشيم تذروه الرياح وغصونه ذابلة وجداوله تشتاق إلى الماء

فنسأله تعالى أن يرفع له منارا ويجدد شوقا لأهله على الإقبال عليه بمنه وكرمه

رد العجز على الصدر

لا يخفاك أيها الفاضل أننا صدرنا كتابنا وزيناه بما نقلناه عن إمام أهل السنة والأثر أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه من رسائله التي نقلت عنه في أصول الدين مما فيه كفاية لمن كان سلفيا وعن لنا الآن أن نختم كتابنا بذكر شيء مما ألفه علماء مذهب السلف ليكون البدء موافقا للختام رجاء منه تعالى أنه كما وفقنا للتوحيد وجعلنا من أهله أن تكون الخاتمة على توحيده الخالص من الزيغ والإلحاد بمنه تعالى وكرمه فنقول:

إن الكتب المؤلفة في هذا العلم ليست محصورة بمؤلفات أصحاب الإمام أحمد بل جميع علماء القرون الثلاثة وعلماء الحديث بأجمعهم على معتقد السلف لا يشذ منهم عن ذلك إلا من جعل الفلسفة طريقه التي يعول عليها وأساسه الذي يبني عليه غير ملتفت إلى ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان فأعظم كتاب في هذا النوع كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم ما ورد وصح عن نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فهما الشفاء من الداء العضال والهدي في بيداء الحيرة والضلال فلا يحتاج بعدهما إلى تأليف ولا إلى تنميق وترصيف تصنيف

ولكن لما ترجمت كتب الحكماء وظهرت الفرق وتبع أهلها مقالات أرسطو وأفلاطون وسموا ما بنوه على ذلك بالعلم الإلهي احتاج علماء السلف لتأليف الكتب وتصنيفها للرد عليهم ولدلالة الناس على الصراط المستقيم وتكلم الأئمة بالرد على من حاد عن الطريقة المثلى فكثر الشغب وتفاقم الأمر وثبت أتباع الإمام أحمد على سبيل الكتاب والسنة وناضلوا عنه أشد النضال وألفوا في ذلك كتبا مختصرة ومطولة ولم يتعدوا عما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة الموثوق بهم كأبي حنيفة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة ومالك والشافعي وأحمد وأبي عبيد وداود وأمثالهم قدما ولم يثنهم عن عزمهم طلاقة لسان مخادع ولا سفسطة متأول ولا بهرجة ملحد ولا زخرفة متفلسف وكلما انقضت طبقة منهم أنشأ الله تعالى طبقة غيرها على سبيل من قبلها فهم الأبدال والأخيار والأنجاب

كيف لا وقد أخبر عنهم الصادق الأمين فيما رويناه من سنن ابن ماجه عن أبي عتبة الخولاني وكان قد صلى إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته"

وحصلت الإشارة إليهم أيضا في الحديث المشهور المروي بطرق كثيرة عن أبي هريرة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها"

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية نقل نعيم بن طريف عن الإمام أحمد أنه قال في حديث: لا يزال الله يغرس إلى آخره هم أصحاب الحديث ونص أحمد على أن لله أبدالا في الأرض

وقال أيضا عنهم إن يكونوا هؤلاء الناس يعني أهل الحديث فلا أدري من الناس

ثم اعلم أن أجل كتب اعتقاد السلف ما نقله الأئمة الموثوق بهم ورواه الثقات عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد فإنهم أكثروا من القول في الاعتقاد الصحيح ولم تخطف كلمتهم فيه وقد بنى أبو جعفر الطحاوي عقيدته على ما رواه عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني وصرح بأنه نقل عنهم ما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين وعقيدته هذه سلفية محضة وليت الحنفية من بعده جعلوا هذه العقيدة أساس معتقدهم وأكثر من روى عنه من هذا الشأن الإمام أحمد بن حنبل لأن زمنه كان زمن القول بخلق القرآن والقيام بتشييد البدع وامتحن على ذلك فأكثر من القول فيه بحيث إن ما نقل عنه من الرسائل في هذا السبيل كاف لمتبع سبيل السلف وهذا سبيل جميع الأئمة المجتهدين وعلماء الحديث دع عنك أولئك الذين يسمون أنفسهم بالخلف ويستندون في مقالاتهم إلى دلائل التقطوها من مقالات الفلاسفة فإنهم مهما جالوا واستطالوا كان قصارى أمرهم إلى الحيرة والموفق منهم من رجع آخر أمره إلى التسليم والتفويض وقدم مذهب سلف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير